للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استيلائه على ثغر الجزيرة، ولكن يوسف استقبلهما بجفاء، فانصرفا عنه، وقد أدركا الحقيقة المروعة، وشعرا بأن النهاية المحتومة، قد أضحت على وشك الوقوع. وعاد المعتمد إلى إشبيلية، وهو يعتزم الدفاع عن مملكته جهد الاستطاعة وأخذ في التأهب، وإقامة التحصينات والأسوار، وساءت العلائق بينه وبين أمير المسلمين بسرعة، وكثرت بينهما الوقيعة والسعايات، ودعا أمير المسلمين المعتمد إلى لقائه فرفض، وطلب إليه أن يتبع أحكام الشرع، وأن يلغي المكوس الجائرة، وأن يلتزم الرباط ومدافعة النصارى، فلم يجبه إلى شىء (١).

وغادر أمير المسلمين غرناطة، وجاز إلى العدوة في شهر رمضان سنة ٤٨٣ هـ، وفوض إلى قائده الأكبر سير بن أبي بكر اللمتوني شئون الأندلس. وهنا تختلف الرواية، فيقال إنه لم يأمر قائده في أمر ابن عباد بشىء، وقيل من جهة أخرى، إنه أمره بمحاصرة ابن عباد في إشبيلية، وأنه متى انتهى من أمر إشبيلية، فليتقدم إلى بلاد ابن الأفطس (٢). وقدم أمير المسلمين قائده ابن الحاج على جيش آخر، وعهد إليه بمنازلة قرطبة، وعليها ولد المعتمد الفتح الملقب بالمأمون، وقدم أبا زكريا بن واسنو على جيش ثالث، وعهد إليه بمحاصرة المعتصم بن صمادح صاحب ألمرية، وقدم جروراً الحبشي على عسكر رابع وعهد إليه بمنازلة يزيد الراضي ولد المعتمد برندة. وأقام أمير المسلمين بسبتة يجهز الجيوش والأمداد، ويترقب نتائج أعمال جيوشه في شبه الجزيرة.

- ٤ -

كان من الواضح، على ضوء هذه الأهبات الضخمة، التي اتخذت لمهاجمة ْقواعد مملكة إشبيلية في وقت واحد، أن يوسف بن تاشفين، كان يرى في مملكة إشبيلية واسطة عقد الأندلس، وفي أميرها المعتمد بن عباد، عميد الطوائف، فإذا سقطت في يده إشبيلية، كان له ملك الأندلس.

ولم يكن أمير المسلمين تعوزه المبررات في قتال ابن عباد، فقد كان لديه المبررات المادية والشرعية الكافية. ذلك أنه احتاط للأمر، واستصدر الفتاوي

الشرعية اللازمة، من فقهاء المغرب والأندلس، بأن مسلك المعتمد في مصانعة


(١) الحلل الموشية ص ٥١ و ٥٢، وروض القرطاس ص ١٠٠، وكتاب التبيان ص ١٦٩.
(٢) روض القرطاس ص ١٠٠، والحلل الموشية ص ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>