وقد استمرت التواريخ النصرانية تتناقل هذه الأسطورة عصوراً كأنها حقيقة لا ريب فيها، وتتحدث دائماً عن " زائدة الأندلسية " Zeida la Mora أو Ceida وعن ذريتها النصرانية. ونقول نحن إنه لا توجد بين هذه التفاصيل المغرقة، سوى حقيقة واحدة هي شخصية زائدة المذكورة، وأنها كانت حقيقة زوجة أو خليلة لألفونسو السادس، وقد أنجب منها ولده سانشو الذي قتل طفلا في موقعة إقليش (٥٠١ هـ - ١١٠٨ م). ولكنها لم تكن ابنة للمعتمد بن عباد، ولم يقدمها المعتمد لألفونسو ثمناً لحلفه، وهذا هو لب الأسطورة كلها. وهذا هو وجه الإغراق والتحريف. ذلك أنه مما لا يسيغه العقل أن يرضى أمير عظيم مسلم كالمعتمد بن عباد، أن يزوج ابنته من أمير نصراني أو أن يقدمها له جارية وحظية، ومهما كان من استهتار المعتمد وتسامحه الديني، وإذا فرضنا أنه لم يكن يقيم في مثل هذا التصرف الشائن، وزناً للاعتبارات الدينية والشرعية، وهو في ذاته مما لا يقبله العقل، فمن المستحيل عليه ألا يحسب أعظم حساب لنتائجه السياسية، وخصوصاً في مثل هذه الظروف الدقيقة التي كانت تجوزها اسبانيا المسلمة يومئذ، وأقلها أن يضطرم شعبه المسلم بالثورة عليه، وأن يسحقه ويسحق أسرته، ومن جهة أخرى فإن المعتمد كان يرمي من جانب خصومه في الداخل وفي الخارج بألسنة حداد من أجل استهتاره وتهاونه الديني، ولم يكن من المعقول أن يقدّم بمثل هذا التصرف إلى خصومه سلاحاً جديداً يضعه في صف المارقين والخوارج على الدين.
أما التفسير الحقيقي لهذه القصة، وهو ما كشفت عنه البحوث والنصوص الوثيقة، فهو أن زائدة هذه كانت حسبما تقدم زوجة للفتح بن المعتمد الملقب بالمأمون حاكم قرطبة، وأن المأمون حينما هاجم المرابطون المدينة، أرسل زوجته وولده وأمواله إلى حصن المدور، أو أنه حينما اقتحم المرابطون المدينة وقتل الفتح، استطاعت زائدة أن تلوذ مع أولادها بالفرار، وأن تلجأ إلى حصن المدور،
= مجموعة Espana Sagrada للأب Flores ( الجزء الرابع عشر). وذكرها رودريك الطليطلي في روايته التي وردت في: De Rabis Hispaniea، وكذلك لوقا التطيلي في روايته Cronicon Mundi على اختلاف في بعض التفاصيل، وذكرها الأب فلوريس في تاريخه Flores: Reynas Catolicas ومن المؤرخين المحدثين Modesto Lafuente في تاريخه: Historia general de Espana وراجع ايضاً R.M.Pidal: ibid ; p. ٧٦٠-٧٦٤ حيث يلخص سائر الروايات المتقدمة.