إخوته، ينظر بعين الغيرة والحسد إلى فوز أخيه الأصغر فرناندو بحكم هذه المملكة العظيمة الشاسعة، مملكة قشتالة وليون، ويرى أنه أحق بملكها وأجدر، وكان يعول في تحقيق أمنيته على وسائل الغدر والغيلة، ولم يكن فرناندو في البداية يشك في ولاء أخيه أو صدق نياته، لاسيما وقد حارب إلى جانبه في معركة تامارون ضد برمودو ملك ليون، ومن ثم فقد وضع غرسية، مشروعه لاغتيال أخيه، وذلك بأن تظاهر بالمرض، وبعث إلى أخيه يبلغه أنه مريض على فراش الموت. وأنه يرجو رؤيته للمرة الأخيرة، فبادر فرناندو إلى تلبية هذه الرغبة، بيد أنه قد نمى إليه خلال سيره، حقيقة الكمين الذي دبر لاغتياله، فارتد مسرعاً إلى برغش، وقد أضمر لأخيه الغادر أسوأ النيات. ولم يفطن غرسية إلى أن أخاه قد وقف على حقيقة أمره. ثم جاء دور فرناندو في تدبير الانتقام من أخيه، فدعاه إلى زيارته في برغش بعد ذلك بأعوام قلائل، فسار إليه غرسية دون أية ريبة، ولكنه ما كاد يصل إلى أراضي قشتالة، حتى قبض عليه وزج إلى إحدى القلاع، بيد أنه لم يفقد شجاعته، ولم يلبث أن استطاع الفرار من معتقله، فعاد إلى نافار، معولا على الانتقام.
وهنا لم يكن مناص من وقوع الحرب بين الأخوين، وقد بدأ غرسية بالفعل بالإغارة على أراضي قشتالة ولم يلتفت إلى تحذير أخيه. ثم اعتزم أن يحاول الضربة الحاسمة. فعقد حلفاً مع أخيه وعدوه القديم راميرو وحشد كل ما استطاع من الجند والعدة، وأمده حليفه المقتدر بن هود صاحب سرقسطة بفرقة من جنده.
ونفذ بجيشه القوي إلى أراضي قشتالة، واثقاً في شجاعة جيشه. وكان أخوه فرناندو في تلك الأثناء يحشد من جانبه سائر قواته من قشتالة وليون. واستمر غرسية في سيره حتى وصل إلى سهل أتابوركا، الواقع على مقربة من شرقي برعْش، وحاول فرناندو مرة أخرى أن يجتنب الحرب مع أخيه، فبعث إليه اثنين من كبار الأحبار، يحاولان إقناعه بعقد الصلح وحقن الدماء، فصرفهما غرسية بخشونة. وفي فجر اليوم الأول من سبتمبر سنة ١٠٥٤ م، اشتبك الجيشان في معركة عنيفة، وقاتل غرسية بشجاعة فائقة، بيد أن الخلل ما لبث أن دب إلى جيشه، إذ غادرته عدة كبيرة من الفرسان الناقمين إلى المعسكر الآخر، وشن فرسان ليون في نفس الوقت على النافاريين هجوماً عنيفاً، وأصابت غرسية،