للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشير الأستاذ بيدال بعد ذلك إلى أقوال الرواية العربية عن فخامة قصر المأمون، وزخارفه البديعة وحدائقه الغناء، وروعة الحفلات التي تقام به، ومجالس العلماء الأعلام التي كانت تعقد به، وتجعل من طليطلة يومئذ مركزاً من أهم مراكز الثقافة الإسلامية. ثم يقول: " إن النفي الذي كان يعانيه ألفونسو بين هذه الفخامات كان كأنه مقصود من العناية، حسبما يقول لنا مؤلف " تاريخ سيلوس ".

كان ملك ليون المخلوع يختلط بالسكان المسلمين، ويتريض في جنبات المدينة الحصينة، ويفكر من أي الأماكن، وبأى نوع من أدوات الحرب يمكن اقتحامها " (١).

حرصنا على إيراد هذه الأقوال، لنستطيع أن نتأمل على ضوئها فيما بعد، تصرف ألفونسو السادس، نحو ولد حاميه والمحسن إليه، ونحو مملكة طليطلة.

ومما له مغزى عميق، ما يقصه علينا صاحب رواية دير سيلوس السالفة الذكر من أن ألفونسو، استمع ذات يوم، وهو متظاهر بالنوم، إلى حديث المأمون مع وزرائه في كيفية الدفاع عن طليطلة، واحتمال مهاجمة النصارى لها واستيلائهم عليها، وكيف يمكن ذلك وبأية وسيلة. وقد أجاب بعضهم أن النصارى لا يستطيعون الاستيلاء على مدينة بمثل هذه الحصانة، إلا إذا أنفقوا سبعة أعوام على الأقل، في تخريب أحوازها وانتساف مؤنها، ويضيف صاحب هذه الرواية، أن ألفونسو انتفع بوقته في دراسة خطط المدينة والاحتمالات التي تمكنه من تنفيذ مشروعه العظيم في الاستيلاء عليها (٢).

وقضى ألفونسو في منفاه، ببلاط الملك المسلم، تسعة أشهر من يناير حتى أكتوبر سنة ١٠٧٢، وهو مغمور بكرم مضيفه ورعايته، إلى أن شاءت الأقدار أن تتطور الحوادث في قشتالة، وأن يتألق نجمه مرة أخرى.

ذلك أن سانشو لم يقنع بما تم له من الاستيلاء على مملكة ليون، بل أراد ْأن ينزع أخاه الصغير غرسية مُلْك جليقية، وكان سير الحوادث في جليقية، مما يعاون على تحقيق غايته. ذلك أن غرسية أساء السيرة، وبالغ في إرهاق الشعب بالضرائب، وانصاع في ذلك لتوجيه وزيره وصفيه برتولا، وفوض إليه كل شىء في الدولة. فسخط الأشراف لذلك، ودبروا مقتل الوزير الطاغية بحضرة مليكه ذاته، فاستشاط غرسية غضباً، واشتد عسفه وكثرت


(١) R.M.Pidal: ibid ; p. ١٧٦ & ١٧٧
(٢) M.Lafuente: ibid ; Vol.II.p. ٣٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>