والأخلاقية، ووصف لنا إلى أي حد كان يذهب أمراء الطوائف، في إرهاق شعوبهم بالمغارم الفادحة، وإليك ما يقوله في ذلك:
" وأما الباب الثاني. فهو باب قبول المتشابه، وهو في غير زماننا هذا باب جديد لا يؤثم صاحبه، ولا يؤجر، وليس على الناس أن يبحثوا عن أصول ما يحتاجون إليه في أقواتهم ومكاسبهم، إذ كان الأغلب هو الحلال، وكان الحرام مغموراً. وأما في زماننا هذا وبلادنا هذه. فإنما هو باب أغلق عينيك، واضرب بيديك، ولك ما تخرجه إما ثمرة وإما جمرة. وإنما فرقت بين زماننا هذا والزمان الذي قبله، لأن الغارات في أيام الهدنة لم تكن غالبة ظاهرة كما هي اليوم، والمغارم التي كان يقبضها السلاطين، فإنما كانت على الأرضين خاصة، فكانت تقرب مما فرض عُمر على الأرض. وأما اليوم فإنما هي جزية على رؤوس المسلمين، يسمونها بالقطيعة، ويؤدونها مشاهرة، وضريبة على أموالهم من الغنم والبقر والدواب والنحل، يرسم على كل رأس، وعلى كل خلية شىء ما، وقبالات ما يؤدي على كل ما يباع في الأسواق، وعلى إباحة بيع الخمر من المسلمين في بعض البلاد، هذا كله ما يقبضه المتغلبون اليوم، وهذا هو هتك الأستار، ونقض شرائع الإسلام، وحل عراه عروة عروة، وإحداث دين جديد، والتخلي من الله عز وجل ".
ويحمل ابن حزم بعنف، على استهتار أمراء الطوائف بأحكام الدين، وما اتسموا به من ضعف الإيمان والعقيدة، ويؤكد لنا أنهم لو وجدوا في اعتناق النصرانية، وسيلة لتحقيق أهوائهم ومصالحهم، لما ترددوا في اعتناقها، ونحن نقتبس هنا عباراته اللاذعة المؤسية معاً:
" والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم، لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى، فيمكنونهم من حُرَم المسلمين وأبنائهم ورجالهم، يحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربما يحمونهم عن حريم الأرض وحشرهم معهم آمنين، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً، فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم، وسلط عليهم سيفاً من سيوفه "(١).
(١) راجع أقوال ابن حزم التي نشرت بعناية الأستاذ بلاثيوس في مجلة "الأندلس": Al - Andalus, (ano ١٩٣٤) p. ٣٧ وفي الرسالة التي سبقت الإشارة إليها ص ١٧٣ - ١٧٧.