وحماية الأندلس، من عدوان الممالك الإسبانية النصرانية. وهنا تبدو وجوه الخلاف بين الدولتين. ذلك أنه بالرغم من وحدة الغاية، فقد كان المرابطون يضطرمون بروح جهاد قوية خالصة، وقد استطاعوا في ظل هذا الروح الدافع أن يصدوا عن الأندلس عدوان اسبانيا النصرانية، وأن يحرزوا بعد الزلاّقة، النصر في عدة مواقع مماثلة، حاسمة في صدع قوى اسبانيا النصرانية. وإذا استثنينا موقف المرابطين من سقوط سرقسطة، وهو السقطة العسكرية المرابطية البارزة خلال هذا الكفاح، فإن الصراع الذي اضطلع به المرابطون ضد الممالك الإسبانية النصرانية، كان صراعاً قوياً وناجحاً، وقد أحرز المرابطون خلاله ضد النصارى عدة من الانتصارات الباهرة، ولاسيما في أقليش (سنة ٥٠١ هـ - ١١٠٨ م)، وفي إفراغة (٥٢٨ هـ - ١١٣٤ م). وقد استطاع المرابطون على وجه العموم حتى أواخر عهدهم، الذي استطال بالأندلس زهاء خمسين عاماً، أن يحافظوا على رقعة الوطن الأندلسي، ولم يصدع من كفاحهم ضد النصارى، سوى قيام الثورة عليهم في مختلف القواعد، عند ظهور الموحدين وعبورهم إلى الأندلس.
أما الموحدون فبالرغم من أنه كانت تحدوهم مثل الروح، التي كانت تحدو المرابطين، في محاربة اسبانيا النصرانية، والذود عن الأندلس، فإنهم لم يحرزوا مثلما أحرز المرابطون من التوفيق في هذا الكفاح. وقد بذل الموحدون بالفعل جهوداً فادحة في سبيل الاضطلاع بحركة الجهاد بالأندلس، وصد عدوان اسبانيا النصرانية عنها، وقد عبرت جيوشهم الجرارة مراراً إلى شبه الجزيرة، مزودة بكميات هائلة من العتاد والسلاح، ولكنهم وهم في إبان قوتهم، لم يحوزوا توفيقاً في حملاتهم الغازية ضد النصارى، فتحطمت حملة الخليفة أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ضد القشتاليين، تحت أسوار وبذة (٥٦٧ هـ -١١٧٢ م)، وتحطمت حملته الثانية ضد البرتغاليين تحت أسوار شَنترين (٥٨٠ هـ - ١١٨٤ م)، ومنيت الجيوش الموحدية بهزيمة فادحة، وهلك الخليفة نفسه في الموقعة. ويرجع هذا الفشل إلى عدة أسباب، منها اختلال نظام الجيوش الموحدية، وضعف قيادتها، واختلال وسائل تموينها، كما يرجع إلى اشتداد ساعد مملكة البرتغال، واستغراقها معظم جهود الموحدين، في ولاية الغرب الأندلسية؛ ولم تبرز الجيوش الموحدية في جهادها ضد النصارى إلا في معركة الأرك العظيمة، التي أحرز فيها الخليفة يعقوب المنصور، انتصاره الباهر على القشتاليين، في شهر رجب سنة ٥٩١ هـ