(يوليه سنة ١١٩٥ م). على أن هذا النصر العظيم، لم يلبث أن محت آثاره موقعة العقاب المشئومة، التي أحرز فيها القشتاليون نصرهم الساحق على الجيوش الموحدية بقيادة الخليفة محمد الناصر ولد المنصور، وذلك في صفر سنة ٦٠٩ هـ (يونيه سنة ١٢١٢ م)، والتي كانت ضربة قاضية، لقوى الموحدين بالأندلس والمغرب، ولم يمض على وقوعها سوى أعوام قلائل حتى انهار سلطان الموحدين بالأندلس، وأخذت قواعد الأندلس الكبرى تسقط تباعاً في أيدي النصارى في وابل من المحن المؤلمة.
كانت قصة الجهاد في سبيل الله، وقصة حماية الأندلس من عدوان النصارى، تجثم وراء هذه المعركة الطويلة المستمرة بين المرابطين والموحدين من ناحية، وبين اسبانيا النصرانية من ناحية أخرى، وكان المرابطون والموحدون، تحملهم في هذا الصراع المستمر ضد اسبانيا النصرانية، فضلا عن غريزة الاحتفاظ بالنفس، نزعة لا شك فيها من الجهاد الإسلامي، والذود عن معاقل الإسلام وتراثه في " جزيرة الأندلس ". وهم قد عبروا البحر أول ما عبروا إلى الأندلس، تدفعهم تلك النزعة النبيلة، ولم تخمد نزعة الجهاد في صدورهم طوال الوقت الذي كانت تضطرم فيه المعارك باستمرار، بينهم وبين اسبانيا النصرانية، وكثيراً ما غزت الجيوش المرابطية والموحدية، أراضي اسبانيا النصرانية من تلقاء نفسها، طلباً للجهاد ليس غير، وقد عبر الخلفاء الموحدون إلى الأندلس في جيوشهم الجرارة مراراً، لمتابعة هذا الجهاد، الذي كان شعارهم دائماً في محاربة النصارى في شبه الجزيرة الإسبانية.
* * *
ولقد كان من الطبيعي أن تنشب بين المرابطين والموحدين، وهم سادة الأندلس الجدد، وبين زعماء الأندلس المحليين معركة السلطان والملك. ولقد كانت هذه المعركة التي تغذيها عوامل مختلفة، هي محنة الأندلس الحقيقية، وكانت تتجدد من خلالها صور المعارك الانتحارية، التي أثخنت الأندلس أيام الطوائف بجراحها الدامية. على أنه مهما كانت بواعث الأسف والأسى، التي تقترن بمثل هذه المعارك، ومهما كان لنا أن نستنكرها وأن نحكم عليها، فإنه يصعب على المؤرخ، أولا أن يحدد المسئولية في شأنها أو أن يلقي تبعتها على فريق بعينه، وثانياً أن يتجاهل العوامل القومية والوطنية، التي كانت من ورائها. وهي في ذلك تفترق عن معارك