للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطوائف، التي لم تكن تحدوها سوى الأطماع والأهواء الشخصية الوضيعة.

ومما يلاحظ أن الثورة على سلطان المرابطين في الأندلس، لم تضطرم إلا في آواخر عهدهم في شبه الجزيرة، في نفس الوقت الذي اضطرم فيه المغرب بثورة الموحدين الجارفة، وتضعضع سلطان المرابطين في عقر دولتهم، وتعذر عليهم إرسال الإمداد إلى ما وراء البحر. على أن هذه الثورة كانت في الواقع أقدم عهداً وأعمق جذوراً، إذ هي ترجع إلى عهد الفتح المرابطي ذاته. وكانت الأندلس، حينما اشتدت عليها وطأة اسبانيا النصرانية، وعجزت دول الطوائف الضعيفة المتنابذة، عن رد عدوانها، وجاء سقوط طليطلة نذيراً بالخطر الداهم، قد استقبلت المرابطين إخواناً في الدين منجدين منقذين، وأكد نصر الزلاّقة الباهر ومن بعده جواز يوسف بن تاشفين الثاني لنصرة الطوائف في حصار حصن لييط (أليدو) (٤٨١ هـ -١٠٨٨ م) هذا الاعتبار وهذا المعنى. على أن فكرة الاستنصار بالمرابطين لم تكن دون توجس، ودون تخوف من العواقب. وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا " دول الطوائف " كيف عارض المعتمد بن عباد ولده الرشيد، في فكرة الاستنصار بالمرابطين، وحذره من مقدمهم وقوله: " يا أبت أتدخل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدد شملنا " وكيف أنه كان ثمة بين أمراء الطوائف، ورجالات الأندلس، من لم ترقه هذه الفكرة، توجساً من عواقبها (١).

وقد تحققت هذه المخاوف، وانهار ذلك المعنى النبيل الذي بثه نصر الزلاّقة لأمد قصير، وانقلب المنقذون إلى فاتحين، واستولى المرابطون على دول الطوائف واحدة بعد أخرى، واقترن هذا الفتح في بعض الأحيان بكثير من العنف، والقسوة، وسقط عدد من أمراء الطوائف مدافعين عن أنفسهم وملكهم. وكان لهذا التحول بلا ريب أعظم صدى في جنبات الأندلس، وأعمق أثر في نفوس الأمة الأندلسية. ومن جهة أخرى فإن أساليب الحكام والقادة المرابطين، في حكم هذا القطر الجديد، لم تكن لينة ولا رفيقة، وذلك بالرغم مما كان يحدوها ويوجهها في معظم الأحيان من جانب أمير المسلمين، من النيات الطيبة والنصائح المثالية لعماله وقادته، باتباع العدل، والرفق بالرعية، وكانت أساليب هؤلاء


(١) راجع كتاب دول الطوائف، ص ٧٨، والحلل الموشية ص ٢٧ و ٢٨، وأعمال الأعلام لابن الخطيب (طبع بيروت) ص ٢٤٥ وكتاب التبيان للأمير عبد الله بن بلقين ص ١٠٣ و ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>