للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظر في هذه الأمور الدينية الشريفة، قد أعز الله رماحه وأحدّ سلاحه، فوجد ابنه الأمير الأجل، أبا الحسن أكثرها ارتياحاً إلى المعالي واهتزازاً، وأكرمها سجية وأنفسها اعتزازاً، فاستنابه فيما استرعى، ودعاه لما كان إليه دعى، بعد استشارة أهل الرأي على القرب والنأي، فرضوه لما رضيه، واصطفوه لما اصطفاه، ورأوه أهلا أن يسترعي فيما استرعاه، فأحضره مشترطاً عليه الشروط الجامعة بينها وبين المشروط، فقبل ورضى، وأجاب حين دعى، بعد استخارة الله الذي بيده الخيرة، والاستعانة بحول الله الذي من آمن به شكره. وبعد ذلك مواعظ ووصية، بلغت من النصيحة مرامي قصية، يقول في خاتمة شروطها، وتوثيق ربوطها، كتب شهادته على النائب والمستنيب، من رضى إمامتهما على البعيد والقريب، وعلم علماً يقيناً بما وصاه في هذا الترتيب، وذلك في عام خمسة وتسعين وأربعمائة " (١).

وكان من الشروط التي اشترطها يوسف على ولده وولي عهده علي، فيما يختص بالدفاع عن الأندلس، هو ألاّ يعين في مناصب الحكام والقضاة في الولايات والحصون والمدن إلا المرابطين من قبيلة لمتونة، وأن ينشىء بها جيشاً مرابطياً ثابتاً، قوامه سبعة عشر ألف فارس، توزع على مختلف القواعد، فيرابط منها بإشبيلية سبعة آلاف، وبقرطبة ألف، وبغرناطة ألف، وفي شرقي الأندلس أربعة آلاف، وتوزع الأربعة آلاف الباقية على الثغور والحصون المتاخمة لأراضي العدو.

هذا ويحسن أن يعهد إلى الأندلسيين بحراسة الحدود النصرانية، فهم أكثر خبرة بأحوال النصارى، وأكثر دربة على قتالهم من المرابطين. وفي سنة ٤٩٦ هـ، (١١٠٢ م) (٢) جاز يوسف بن تاشفين إلى الأندلس جوازه الرابع والأخير، ومعه ولداه أبو الحسن على وأبو الطاهر تميم (٣). وكان يوسف يقصد بهذا الجواز النظر في شئون الأندلس ومصالحها، وكان يقصد بالأخص أن ينظم البيعة لولده على الذي اختاره لولاية عهده. ويقول لنا صاحب روض القرطاس، إن علياً لم يكن مع والده في هذا الجواز، وإنه بالعكس كان يقيم عندئذ في سبتة التي ولد بها


(١) أورد نص هذا المرسوم صاحب الحلل الموشية (ص ٥٦ و ٥٧).
(٢) وفي رواية أخرى أن هذا الجواز قد وقع في سنة ٤٩٧ هـ (ابن خلدون - كتاب العبر ج ٦ ص ١٨٨). ولكن التاريخ الذي يحمله كتاب التولية وهو ذو الحجة سنة ٤٩٦ هـ، يؤكد صحة الرواية الأولى.
(٣) الحلل الموشية ص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>