ونشأ (١). ونحن نرجح الرواية الأولى بحضور على مع والده إذ كان هو المقصود بتنظيم البيعة، ومن المعقول أن يكون حاضراً في حفل تنظيمها. وفي أواخر سنة ٤٩٦ هـ، كان يوسف بقرطبة، عاصمة الخلافة، وكانت يومئذ قاعدة للحكم المرابطي في الأندلس، وجمع يوسف أعيان قبيلة لمتونة، وأشياخ المرابطين والفقهاء، وأخذ البيعة عليهم جميعاً لولده علي، وصدر كتاب التولية والبيعة عن يوسف لولده، مدبّجاً بقلم وزيره وكاتبه أبى بكر بن القصيرة علم البلاغة، وإمام النثر والترسل يومئذ، وإليك نص الكتاب المذكور:
" هذا كتاب تولية عظيم جسيم، وتوصية حميم كريم، صدرت على الرضا قواعده، وأكدت بيد التقوى معاقده، وسددت إلى الحسنى مقاصده، وأبعدت عن الهوادة والهوى مصادره وموارده، أنفذه أمير المسلمين، وناصر الدين، أبو يعقوب يوسف بن تاشفين أدام الله أمره، وأعز نصره، وأطال فيما يرضيه منه، ويرضى به عنه عمره، غير محاب ولا تارك في النصيحة لله ولرسوله والمسلمين، موضع ارتياب لمرتاب، للأمير الأجل أبى الحسن عليّ ابنه، المتقبل هممه وشيمه، المتأثل حلمه وتحلمه، الناشىء في حجر تقويمه وتأديبه، المتصرف بين يدي تخريجه وتدريبه، أدام الله عزه وتوفيقه، ونهج إلى كل صالح من الأعمال طريقه، وقد تهمم، بمن تحت عصاه من المسلمين، وهدى في انتقاء من يخلفه هدو المتقين، ولم ير أن يتركهم بعد سدى غير مدينين، واعتام في النصاب الرفيع، واختار واستنصح أولي الرأي والدين، واستشار فلم يوقع بعد طول تأمل وتراخي مدة، وتمثل اختياره في اختيار من فاوضه في ذلك من أولي التقوى والحنكة، واستشارة [الأعلية] ولا صار بدونهم الارتياد والاجتهاد إلا إليه، ولا التقى رواد الرأي والتشاور إلا لديه، فولاه عن استحكام بصيرة، وبعد طول مشورة، عهده، وأفضى إليه الأمر والنهي والقبض والبسط بعده، وجعله خليفته الساد في رعاية مسده، وأوطأ عقبه جماهير الرجال، وناط به مهمات الأمور والأعمال، وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع، ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسنة، في أحد عصا أو أطاع، ولا ينام عن حماة الحدب والخوف بالإضطجاع، ولا يتلين دون معلن بشكوى، ولا يتصام عن مستصرخ لدى بلوى، وأن ينتظم أقصى البلاد وأدناها في سلك تدبيره، ولا يكون بين