للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القريب والبعيد في إحصائه وتقديره. ثم دعا أدام الله تأييده لمبايعته، أدام الله عزه، من حضر و .. من المسلمين، فلبوا مسرعين وأتوا مهطعين، وأعطوا صفقة إيمانهم متبرعين متطوعين، وبايعوه على السمع والطاعة، والتزام سنن الجماعة, وبذل النصيحة جهد الاستطاعة، ومناصفة من ناصفه، ومحاربة من حاربه, ومكايدة من كايده، ومعاندة من عانده، لا يدخرون في ذلك على حال المنشط مقدرة، ولا يحجون في حالتي الرضا والسخط إلى معذرة، ثم أمر بمخاطبة ساير أهل البلاد لتبايعه، كل طائفة منهم في بلدها، وتعطيه كما أعطاه من حضر, صفقة يدها، حتى ينتظم في التزام طاعته القريب والبعيد، ويجتمع على الاعتصام بحبل دعوته الغايب والشهيد، وتطمين من أعلام الناس وخيارهم نفوس قلقة، وتنام عيون لم تزل مخافة أقذائها مورقة، ويشمل الناس كافة السرور والاستبشار، وتتمكن لديهم الدعة، ويمهد القرار، وتنشأ لهم في الصلاح آمال، ويستقبلهم جد صالح وإقبال، والله يبارك بيعة رضوان، وصفقة رجحان، ودعوة يمن وإيمان، إنه على ما يشاء قدير، لا إله إلا هو نعم المولى ونعم النصير. شهد على إشهاد أمير المسلمين بكل ما ذكر عنهم فوق هذا من بيعته .. حمله عنه ممن التزم البيعة المنصوصة قبل، وأعطى صفقته طائفاً متبرعاً، وبالله التوفيق، وكتب بحضرة قرطبة في ذي الحجة سنة ست وتسعين وأربعمائة " (١).

- ٣ -

وقد سبق أن عرضنا من قبل في كتاب " دول الطوائف " إلى لمحة من خلال يوسف وصفاته (٢)، ونود هنا أن نبسط القول في ذلك.

إن شخصية البطل المرابطي العظيم تنطوي على كثير من الصفات اللامعة، التي جعلت من حياته المديدة الحافلة، نموذجاً مثالياً لهذا النوع من البطولة الساذجة الرائعة معاً. والواقع أن أروع ما في صفاته، تلك الهالة الوضاءة من البساطة المؤثرة، التي لبثت شعار حياته كلها، والتي لم تتأثر بتطورات الأحداث السياسية التي


(١) أورد لنا ابن الخطيب نص هذه الوثيقة في " الإحاطة " في ترجمته لأبى بكر بن القصيرة (مخطوط الإسكوريال السالف الذكر لوحة ٧١ و ٧٢). وفي بعض الروايات أن البيعة عقدت لعلي في غرناطة (كتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء، لأبن الكردبوس، مخطوط أكاديمة التاريخ بمدريد لوحة ١٦٤ أ) وهذا ما ينقضه ختام الوثيقة.
(٢) كتاب دول الطوائف ص ٣٠٢ و ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>