العدوان وما يدل عليه من تحفز النصارى، فرأى أن يبادرهم بالغزو، وأن يهاجمهم في قلب أراضيهم.
وصدع تميم بأمر أخيه، وجهز جيشاً حسن الأهبة، وخرج من غرناطة في العشر الأخيرة من شهر رمضان سنة ٥٠١ هـ (أوائل مايو سنة ١١٠٨ م) وسار في قواته شمالا صوب جيّان، وكانت الجنود والإمداد تهرع إليه في طريقه.
ولبث في جيان أياماً قلائل، حتى وافته حشود قرطبة بقيادة واليها أبى عبد الله محمد بن أبى رنق، ثم سار إلى بيّاسة شمال شرقي جيان. واتجه منها شمالا صوب أراضي قشتالة، وانضمت إليه في الطريق حشود مرسية بقيادة واليها أبى عبد الله محمد بن عائشة، وحشود بلنسية بقيادة واليها محمد بن فاطمة. واخترقت القوات المرابطية أراضي قشتالة وعاثت فيها. ثم اتجهت صوب بلدة أقليش الحصينة، وهي التي وقع الاختيار على مهاجمتها، فوصلت إلى ظاهرها في يوم الأربعاء الرابع عشر من شوال (٢٧ مايو).
وقد كانت أقليش في ذلك العصر من أمنع معاقل كورة شنتبرية، وهل محلة حصينة، تقع في شمال جبال طليطلة، وجنوب غربي وبذة، أنشأها الفتح بن موسى بن ذى النون في أواخر القرن الثالث الهجري أيام الأمير عبد الله (١) واتخذها مستقراً ومعقلا، وغدت دار بني ذى النون، حتى ظهروا أيام المنصور ابن أبى عامر، وحكموها أيام اضطراب الخلافة، ثم انتقلوا منها إلى حكم طليطلة على يد إسماعيل بن ذى النون في أوائل المائة الخامسة. ولما سقطت طليطلة في أيدي القشتاليين في صفر سنة ٤٧٨ هـ (١٠٨٥ م) وانتهى سلطان بني ذى النون في تلك المنطقة، كانت أقليش ضمن القواعد والحصون العديدة، التي استولى عليها القشتاليون نتيجة لافتتاح مملكة طليطلة.
وما كادت القوات المرابطية تصل إلى أقليش حتى طوقتها، وهاجمتها بعنف، ولم يستطع النصارى المدافعون عنها، أن يثبتوا طويلا أمام شدة المهاجمين، فسقطت في أيديهم في اليوم التالي وهو يوم الخميس ١٥ شوال (٢٨ مايو)، وفي الحال
(١) جاء في الروض المعطار (صفة جزيرة الأندلس) ص ٢٨، أن أقليش بناها الفتح بن موسى ذى النون وفيها كانت ثورته وظهوره في سنة ١٦٠ هـ، وفي ذلك تحريف واضح، لأن ثورة الفتح ابن موسى ذى النون كانت في مستهل عهد الناصر بعد سنة ٣٠٠ هـ، وإذاً فإن الصحيح والمعول عليه هو أن إنشاء أقليش قد وقع في أواخر القرن الثالث.