للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخلتها القوات المرابطية، وقوضت صروحها، وهدمت كنائسها، ودكت هياكلها، وهرع المسلمون الذين كانوا بها - وكان ما يزال منهم بقية كبيرة فضلت التدجّن والبقاء تحت حكم النصارى - والتجأوا إلى معسكر الجيش المرابطي، لائذين بحمايته، وشرحوا لإخوانهم في الدين أحوال المدينة، وظروف المدافعين عنها (١).

والتجأ المدافعون من النصارى إلى قصبة أقليش الحصينة، وامتنعوا بها في انتظار الغوث والإنجاد من مواطنيهم. والواقع أنه مذ تحركت الجيوش المرابطية، ونفذت إلى أراضي قشتالة، كان الملك الشيخ ألفونسو السادس ملك قشتالة وقادته، يبذلون أقصى جهودهم في إعداد العدة لرد الغزاة. وكان ألفونسو السادس قد هدمه الإعياء والمرض، ولم يستطع لضعفه أن يسير بنفسه لملاقاة الغزاة وإنقاذ القلعة، فجهز حملة قوية بقيادة كبير قواده ألبر هانس - وهو أشهر قواد قشتالة في ذلك العصر، وقد خاض من قبل وقائع كثيرة ضد المسلمين، ولاسيما في منطقة بلنسية - وزميله غرسيه أردونيث مؤدب ولي العهد سانشو، وهو أيضاً من أكابر القادة، ومعهما عدة أخرى من قادة منطقة طليطلة من قلعة النسور، وقلعة النهر أو قلعة عبد السلام ( Alcala de Henares) وغيرهما. بيد أن أهم شخصية مثلت في تلك الحملة كانت شخصية الأمير الصبي (الإنفانت) سانشو ولد ألفونسو السادس وولي عهده، وهو الذي رزق به من " زائدة " حظيته أو زوجته المسلمة المتنصرة، التي كانت زوجة للفتح بن المعتمد بن عباد، والتي فصلنا قصتها في موضعها من كتاب " دول الطوائف " (٢)، وكان يومئذ صبياً في الحادية عشرة من عمره. وكان مستشارو الملك - أو زوجته زائدة - قد نصحوا بإرساله على رأس الجيش لكي يثير منظره الفتى حماسة الجند، فنزل عند رأيهم، وبعثه مع مؤدبه غرسيه أردونيث كونت دي قبره. ويشير صاحب روض القرطاس إلى تلك الواقعة، ويفسرها بتفسير طريف يقول فيه " فأشارت عليه زوجته (أي ألفونسو) أن يوجه ولده عوضاً عنه فيكون مقابلا لتميم، لأن تميم ابن ملك المسلمين، وشانجُه


(١) استقينا هذه المعلومات من رسالة الأمير تميم التي سبقت الإشارة إليها والتي سوف ننشر نصها في باب الوثائق.
(٢) كتاب دول الطوائف ص ٣٣٣ - ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>