للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضرتنا، وأنك لا تتأخر عن تلبية نداينا، ودعاينا إلى استنقاذنا من أيدي أعداينا. . فأقبل بعسكرك على مقربة من سرقسطة، عصمها الله، ليخرج الجميع عنها، ويبرأ إلى العدو وقمه الله منها، ولا تتأخر كيفما كان طرفة عين، فالأمر أضيق، والحال أزهق، فعدِّ بنا عن المطل والتسويف، قبل وقوع المكروه والمخوف، وإلا فأنتم المطالبون عند الله بدماينا وأموالنا، والمسئولون عن صبيتنا وأطفالنا، لإحجامكم عن أعداينا، وتثبطكم عن إجابة نداينا، وهذه حال نعيذك أيها الأمير الأجل عنها، فإنها تحملك من العار ما لم تحمله أحداً، وتورثك وجميع المرابطين الخزى أبدا. . ومهمى تأخرتم عن نصرتنا، فالله ولي الثار لنا منكم، ورب الانتقام، وقد بريتم بإسلامنا للأعداء، من نصر الإسلام، وعند الله لنا لطف خفي، ومن رحمته ينزل الصنع الخفي، ويغنينا الله عنكم، وهو الحميد المغني " (١).

كتبت هذه الرسالة المؤثرة قبيل سقوط سرقسطة بفترة يسيرة، وإنه لتبدو من تلك الفقرات التي نقلناها منها، حقيقة لا شك فيها، وهي أن جيشاً مرابطياً بقيادة الأمير أبى الطاهر تميم، قدم إلى سرقسطة قبيل سقوطها لاستنقاذها من أيدي النصارى، وعسكر على مقربة منها، وتقول إحدى الروايات النصرانية، إن هذا الجيش قد وصل إلى حصن سانتا ماريا الواقع على بعد ثمانية عشر كيلومتراً من سرقسطة (٢) ولكن ما الذي فعل هذا الجيش بالضبط؟ وهل بذل أية محاولة جدية لاستنقاذ سرقسطة والدخول مع النصارى في معركة حاسمة؟ إنه مع استثناء الرواية النصرانية التي أشرنا إليها من قبل، والتي تقول بأن معركة عنيفة وقعت بين


(١) نشرنا هذه الرسالة بأكملها في باب الوثائق. وقد نقلناها عن مخطوط الإسكوريال رقم ٤٨٨ الغزيري، لوحة ٥٩ أإلى ٦١ ب. هذا وقد نشر هذه الرسالة وانتفع بها من قبل صديقي الدكتور حسين مؤنس في بحث عنوانه " الثغر الأعلى الأندلسي في عصر المرابطين " (مجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة - المجلد الحادي عشر الجزء الثاني ديسمبر سنة ١٩٤٩). بيد أنه ذهب في التمهيد إليها (ص ١٣٣) إلى نتيجة نحسب أنها لا يمكن أن تدلي بها، فذكر أنها بالمقارنة بالوثيقتين الأخريين المنشورتين بعدها، قد كتبت في سنة ٥٢٣ هـ أعني بعد سقوط سرقسطة بإحدى عشر عاماً. هذا في حين أن نص الرسالة وفقراتها المتوالبة تدلي قطعاً بأنها كتبت وقت حصار سرقسطة وقبيل سقوطها بقليل، في شهر شعبان سنة ٥١٢ هـ، ومن الواضح أنها دعوة يائسة موجهة إلى قائد المرابطين يومئذ الأمير أبى الطاهر تميم، بأن يتقدم بجنده، وقد كان على مقربة من سرقسطة، لإنجاد المدينة المحصورة وإنقاذها قبل فوات الوقت. وأقطع دليل على صحة هذا الرأي فضلا عن نص الرسالة ذاته، هو أن الأمير أبا الطاهر تميم قد توفي بقرطبة في سنة ٥٢٠ هـ (روض القرطاس ص ١٠٦).
(٢) مقال الأستاذ Lacarra السالف الذكر، نقلا عن المؤرخ Zurita

<<  <  ج: ص:  >  >>