للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرابطين والنصارى، هزم فيها المرابطون، ثم سلمت المدينة على أثر ذلك، يبدو مما جاء في هذه الرسالة، أن الجيش المرابطي التزم الجمود والإحجام، ولم يبذل أية محاولة لإنقاذ المدينة، ثم ارتد بعد ذلك على أعقابه، وهذا ما يؤيده رواية ابن الأبار التي سبقت الإشارة إليها. ثم يؤيده أيضاً مع اختلاف في تصوير الوقائع، ما ورد في روض القرطاس، من أنه بعد سقوط سرقسطة، وصل من العدوة جيش من عشرة آلاف فارس، بعثه أمير المسلمين على لاستنقاذها، فوجدها قد فرغ منها وملكها العدو، ونفذ حكم الله فيها (١).

- ٤ -

وإنه ليحق لنا أن نتساءل بعد ذلك عن البواعث التي حملت قائد الجيش المرابطي الأمير أبا الطاهر تميم، على اتخاذ هذا الموقف السلبي، في مثل هذه الآونة العصيبة من حياة المدينة المسلمة العظيمة، وحملت الجيش المرابطي على الإحجام عن لقاء العدو في محاولة يائسة لإنقاذها. فأما من الناحية العسكرية، فإنه يمكن أن يقال إن ذلك قد يرجع إلى تفوق النصارى في الكثرة على الجيش المرابطي، تفوقاً خشي معه الأمير تميم أن يدخل في معركة غير مأمونة العواقب. وتميمٌ لم يكن من أكابر القادة المرابطين، وإنما كان يقود الجيش بصفته الأميرية، ولم يكن انتصاره، في موقعة أقليش راجعاً إلى مقدرته وصفاته الخاصة، وإنما كان راجعاً بالأخص إلى شجاعة قائديه المجربين محمد بن عائشة، ومحمد بن فاطمة، ولولاهما لما اشتبك في المعركة ولآثر الارتداد. وكان الجيش المرابطي قد فقد إلى ذلك الحين معظم قادته العظام، أمثال سير بن أبي بكر، ومزدلي، وعبد الله بن فاطمة، ومحمد بن الحاج، ويمكن أن يقال أيضاً إن موقع سرقسطة بعيداً عن مراكز تموين الجيش المرابطي وإمداده في بلنسية ومرسية وقرطبة، لم يكن مما يشجع على القيام بأية محاولة عسكرية خطيرة.

على أن هذه الأعذار العسكرية وأمثالها، لم تكن تكفي لتبرير موقف الجيش المرابطي، وإحجامه عن القيام بعمل إنقاذ مشرف، واتقائه بذلك صدع هيبته في أنحاء شبه الجزيرة، ولوم التاريخ والأجيال. وإنما قد ترجع البواعث الحقيقة لتقاعس المرابطين عن المغامرة بإنقاذ سرقسطة، إلى أنهم كانوا يشعرون بأن الاحتفاظ بهذه المنطقة النائية من شبه الجزيرة - منطقة الثغر الأعلى - كان يلقي


(١) روض القرطاس ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>