وقد كان لنصر المرابطن في إفراغة، صدى عميق في سائر أرجاء الأندلس، وفي اسبانيا النصرانية بنوع خاص، وعادت سمعة المرابطين العسكرية، إلى سابق مكانتها في شبه الجزيرة، وذاع صيت يحيى بن غانية، قائد المرابطين في ذلك اليوم المشهود، وسنرى فيما بعد كيف يضطلع ابن غانية في قيادة المرابطين في شبه الجزيرة بأعظم دور. وقد نظم الشاعر أبو جعفر بن وضاح المرسى، في واقعة إفراغة، ومديح ابن غانية قصيدة يقول فيها:
دلفت في غاية الخَطِّىّ نحوهم ... كالعين يهفو عليها وطف أجفان
عقرتهم بسيوف الهند مصلتة ... كأنما شربوا منها بغدوان
هون عليك سوى نفس قتلتهم ... من يكسر النبع لم يعجز عن البان
وقفت والجيش عقدٌ منك منتثرا ... إلا فرائد أشياخ وشبان
والخيل تنحط من وقر الرماح بها ... كأن نصالها ترجيع ألحان
وكان من أثر مؤوقعة إفراغة، وهلاك ألفونسو المحارب، أن انقشع الخطر مدى حين، عما بقي بأيدي المسلمين من أراضي الثغر الأعلى، وعن شرقي الأندلس، واختفت من ميدان الصراع بين المسلمين والنصارى، شخصية خطرة كانت تهدد بمشاريعها البعيدة المدى وتصميمها المستميت، سلام المسلمين، وسلامة الوطن الأندلسي. وقد كان ألفونسو المحارب في الواقع، مثل فرناندو الأول، وألفونسو السادس، من أعظم ملوك اسبانيا النصرانية، في العصور الوسطى.
وكان افتتاحه لسرقسطة، فاتحة عصر جديد لمملكة أراجون، كما كان افتتاح ألفونسو السادس لطليطلة فاتحة عصر جديد لمملكة قشتالة، وقد غدت مملكة أراجون في ظله، باتحاد مملكة نافار معها، منذ عهد أبيه سانشو، قرينة مملكة قشتالة من حيث ترامى الرقعة، وضخامة الموارد، وقوة المراس في مناجزة الأندلس، وقد استطاع هو أن يوطد حدود مملكته، وأن يوسع رقعتها، بافتتاحه سرقسطة وتطيلة وطرسونة وقلعة أيوب ودورقة وغيرها، من القواعد الإسلامية، وكانت أمامه، بزواجه من أورّاكا ملكة قشتالة، فرصة لأن يغدو قيصراً لإسبانيا الكبرى، ولكن ما نشب بين الزوجين من خلاف حول السلطان، وما أبداه أشراف قشتالة من بغض لنير أراجون - كان كفيلا بتحطيم مثل هذا المشروع، وكانت الحرب