للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلالها بينه وبين أهل سرقسطة لمحالفته النصارى وانضوائه تحت لوائهم، حسبما فصلناه من قبل في كتاب " دول الطوائف ". وسار عبد الملك في أهله وأمواله إلى قاعدة روطة المنيعة، الواقعة على الضفة اليسرى لنهر خالون أحد أفرع نهر إبرة الجنوبية، على قيد خمسة وثلاثين كيلومتراً من سرقسطة. وكان بنو هود قد أنشأوا هذه القاعدة، وحصنوها وزودوها بالأبنية الضخمة، وأعدوها لتكون لهم عند الضرورة ملجأ ومثوى. وفي بعض الروايات أن الذي أنشأ حصن روطة، وأسبغ عليه مناعته الفائقة، هو المستعين والد عبد الملك، وأنه حفر فيه إلى الوادي سرباً أتقن أدراجه، تنيف على أربعمائة درج فلا ينقطع فيه الماء (١).

واستمر عبد الملك في هذه القاعدة، وأنشأ بها إمارة صغيرة. والظاهر أن إمارة روطة كانت تشمل يومئذ، رقعة من الأراضي، تمتد شمالا حتى برجة الواقعة شمال غربي سرقسطة، على مقربة من تطيلة، يدل على ذلك ما يذكره صاحب البيان المغرب في أخبار سنة عشر وخمسمائة من أن الأمير أبا بكر صاحب سرقسطة، خرج إلى الغزو، وهاجم حصن روطة، وأثخن في أنحائه، ثم تحرك إلى برجة، وبها عماد الدولة بن المستعين بن هود، فضيق عليها، وبالغ في إرهاقها، حتى صالحه أهلها، فرجع عنها إلى سرقسطة (٢). وعلى أي حال فإنه يبدو أن العداء كان مستحكماً، بين عماد الدولة وبين المرابطين، ومن ثم فقد وضع عماد الدولة نفسه تحت حماية ملك أراجون القوي، ألفونسو المحارب، خشية من نقمة المرابطين سادة سرقسطة، واستمر عبد الملك عماد الدولة، في حكم إمارته الصغيرة نحو عشرين عاماً، حتى توفي بحصن روطة في شعبان سنة ٥٢٤ هـ (١١٣٠ م). وكانت سرقسطة قد سقطت في تلك الأثناء في أيدي النصارى، وأصبح ألفونسو المحارب سيد هذه الأنحاء بلا منازع. وتوجد ثمة رواية مفادها أن عماد الدولة بن هود، لبث أميراً بسرقسطة، تحت حماية المرابطين، حتى سقطت المدينة في أيدي النصارى، وعندئذ فر منها إلى روطة (٣). بيد أن هذه الرواية ضعيفة لا تؤيدها أية رواية أخرى. وينقضها بالعكس، ما سبق أن ذكرناه من توالي الولاة المرابطين على سرقسطة، مذ دخلها ابن الحاج حتى سقوطها في أيدي النصارى في سنة ٥١٢ هـ (١١١٨ م).


(١) ابن الكردبوس في كتاب " الإكتفاء " (مخطوط الأكاديمية السالف الذكر لوحة ١٦٥ ب).
(٢) ابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ٧٨).
(٣) ابن الكردبوس في كتابه السالف الذكر (المخطوط لوحة ١٦٥ ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>