للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي نفس هذا العام، وقع حادث مروع بجامع قرطبة، هو مصرع قاضي قرطبة أحمد بن خلف التجيبي (أو أبو عبد الله بن الحاج وفقاً لابن القطان).

وثب به أحدهم فطعنه بخنجره، وهو راكع حين صلاة الجمعة، فسقط مضرجاً بدمه، ووقع بالجامع هرج عظيم، وأخرج المرابطون منه أميرهم تاشفين في حراسة قوية، وقبض على القاتل وقتل لحينه في صحن الجامع، وتوفي القاضي في مساء نفس اليوم، وهو الخامس والعشرون من صفر سنة ٥٢٩ هـ (١).

وتقص علينا الرواية النصرانية غزوة قام بها القشتاليون في سنة ١١٣٣ م ومعهم سيف الدولة المستنصر بن هود، في أراضي الأندلس، على غرار غزوة ألفونسو المحارب، وتقول لنا إن ألفونسو ريمونديس ملك قشتالة قسم جيشه لهذا الغرض إلى قسمين، بقصد تسهيل التموين والحركة، سار هو على رأس أحدهما، وقاد الآخر سيف الدولة، والدون ردريجو كونثالث دي لارا زعيم ليون. وعبر الجيشان جبال سييرَّا مورينا، (جبل الشارات)، واجتمعا على مقربة من قرطبة، وكان الفصل فصل الحصاد فأمر ملك قشتالة بانتساف حقول القمح والكروم والزيتون وغيرها، فساد الرعب بين المسلمين وهجروا السهول والقرى، إلى الحصون ومغائر الجبال، ووصل الجيش النصراني في زحفه إلى أحواز إشبيلية، وهو يحرق المزارع والقرى والقلاع المهجورة، ويدمر المساجد ويحرق المصاحف، ويقبض على الفقهاء ويعذبهم. وشمل هذا العيث المروع الذي كانت تقوم به سريات خفيفة من الفرسان النصارى، سائر المنطقة الواقعة ما بين قرطبة وإشبيلية، وامتلأت صفوف القشتاليين من الغنائم والأسرى والأقوات، ومن ثم سار ملك قشتالة إلى شريش، فخربها وهدمها، ثم سار إلى قادس. ولما رأى ذلك أمراء الأندلس، بعثوا إلى سيف الدولة يطلبون إليه أن يعمل ملك النصارى، على تحريرهم من نير المرابطين، فبعث إليهم بعد التفاهم مع ملك قشتالة يحثهم على انتزاع الحصون ومقاتلة المرابطين، وعندئذ يأتي هو وملك قشتالة لإنجادهم. بين أن الملك اعتزم أن يعود أدراجه على الأثر، وألا يغامر بالبقاء في أرض لا يأمن مغبتها، وارتد إلى منطقة طليطلة (٢).


(١) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ١٠ و ١٠١)؛ وابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره).
(٢) M. Lafuente: ibid ; (cit. Cronica Alionso VII) ; Vol. III. p. ٢٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>