للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الإعلان بموت المهدي والإعلان ببيعة الخليفة أمير المؤمنين، ثم يعلق على ذلك بعبارات رنانة يقول فيها: " فرفع الغطاء، وسطع الضياء، وبهرت الشمس ما دونها من السحاب، وتبلج الحق واضحاً بغير حجاب "، وبايعه الصحب على ما بايعوا عليه " الإمام المهدي"، واتصلت البيعة ثلاثة أيام " فأشرقت الأرض بنور إمامته، ونال أهلها عظيم حظوته وكرامته ". وعلى أثر ذلك اتخذ عبد المؤمن لقب " أمير المؤمنين "، والظاهر أنه لم يكن يلقب به قبل ذلك (١).

ويوجد شىء من التناقض والغموض حول أعمال عبد المؤمن وحركاته في بضعة الأعوام التالية، من سنة ٥٢٨ إلى سنة ٥٣٢ هـ. ويقدم إلينا ابن القطان بعض التفاصيل عن حوادث هذه الفترة، فيقول لنا في أخبار سنة ٥٢٨ هـ، إن الموحدين اشتبكوا مع المرابطين بقيادة ابراهيم بن يوسف المعروف بابن تاعياشت في معركة هزم فيها المرابطون وقتل قائدهم. ثم ينقل إلينا عن ابن الراعي، خبر فتح الموحدين لمدينة تارودانت. فيقول إنه لما استولى الموحدون على سائر بلاد السوس، ارتد المرابطون منهزمين إلى تيونوين، وعندئذ سار " العلج الأعرج " (والغالب أنه الربرتير الذي سوف يأتي ذكره) من أجرفرجان، فاقتحم طريق ايغيران في غفلة من الموحدين، وسبقهم بمن معه، فأتبعهم الموحدون حتى وصلوا إلى بلاد السوس. وكان العلج في نحو أربعمائة فارس، فلما وصل تيونوين، وعلم بمقدمه من كان قد فر إلى الأطراف من أهل السوس، هرعوا إلى الالتفاف حوله.

ونقتبس هنا وصف ما تلا من أدوار المعركة من رسالة كتب بها الخليفة عبد المؤمن ونقلها إلينا ابن الراعي. وفيها يقول الخليفة: " فميزنا عسكراً مباركاً من خيل ورجل، فخرجوا إلى ناحية تارودانت، وبعثنا تلك الليلة سرية إلى أسفل السوس، فقتلوا وغنموا بقراً وغنماً وعبيداً، وسبو ذراريهم، ثم بعثنا سرية أخرى في الليلة التالية إلى بقية تلك الناحية، أعني أسفل السوس فقتلوا مقتلة أكثر من الأولى، وغنموا أكثر مما غنم أصحابهم.

"وأما العسكر فقصدوا إلى تارودانت ودخلوها، وفر من كان بها من المرابطين، وقتل الموحدون من وجدوا بها، واستقر الموحدون بالمدينة، وأطلقوا النار في القصب، فارتفعت النار في الهواء. كل ذلك والمرابطون في تيونوين يشهدون


(١) نظم الجمان (المخطوط السابق لوحة ٧٤ ب و ٧٥ أ) وراجع روض القرطاس عن ابن صاحب الصلاة ص ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>