للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عبد المؤمن قد بعث في نفس الوقت قبل مسيره إلى مراكش حملة بقيادة أبى حفص عمر بن يحيى الهنتاني لغزو قبائل برغواطة، النازلة على الشاطىء شمالي أزمّور وجنوبها، فاقتحم ديارهم، واستاق غنائمهم، ثم ارتد أدراجه، فالتقى بعبد المؤمن، وهو في طريقه إلى مراكش، فقسم الغنائم على الموحدين، ثم تابع سيره إلى العاصمة المرابطية.

ولما وصل جيش الموحدين إلى ظاهر مراكش، خرج إليه جمع كبير من طلائع لمتونة، فلما رأوا كثرة الموحدين، سرى إليهم الرعب وبادروا إلى الفرار نحو أسوار المدينة، فأدركهم الموحدون وقتلوا عدداً كبيراً منهم. وعلم عبد المؤمن كذلك أن قوات كبيرة من قبيلة لمطة، قد وفدت على المدينة نصرة للمدافعين عنها، فطاردهم الموحدون، وأثخنوا فيهم، وانتزعوا منهم آلافاً من الدواب وغيرها من الغنائم (١).

- ٢ -

وكان نزول الموحدين على مراكش في فاتحة شهر المحرم سنة ٥٤١ هـ (١٣ يونيه سنة ١١٤٦ م). وفي الحال احتل عبد المؤمن بقواته جبل إيجليز الواقع غربها، وضرب فوقه قبته الحمراء، وبني الموحدون حولها محلة أو مدينة كبيرة يتوسطها مسجد وصومعة عالية، تشرف على مراكش، ونزلت فيها القبائل، كل قبيلة في الموضع الذي حدد لها (٢). وكان إقامة هذه المدينة دليلا على ما كان يتوقعه الموحدون من طول المدافعة والحصار.

وضرب الموحدون الحصار حول العاصمة المرابطية. وكانت مراكش تموج بجموع المدافعين عنها، من بقايا الجيوش المرابطية الكبرى، من مختلف الحشود والقبائل. وكان منهم قوة من النصارى المرتزقة، هي بقية الحرس الملكي القديم.

بيد أن هذه الجموع الحاشدة، كانت تنقصها القيادة الحازمة، وكانت تعاني من هبوط قواها المعنوية، وكان على عرش مراكش في تلك الآونة الدقيقة، صبي حَدَث لم يجاوز السادسة عشرة من عمره، هو أبو إسحاق إبراهيم بن تاشفين بن علي.

وكان يقود هذه المعركة الأخيرة نفر من أشياخ لمتونة، مثل سير بن الحاج،


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢١ و ٢٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٢.
(٢) الحلل الموشية ص ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>