للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيد أن هنالك رواية أوضح تفصيلا، هي رواية صاحب روض القرطاس، وابن خلدون، وهي رواية تدور حول الدور الخطير الذي قام به القاضي عِياض ابن موسى اليحصبي قاضي سبتة، في حوادث سبتة عندئذ. وكان القاضي عِياض من أعظم فقهاء العصر وعلمائه، وكان قد وُلّي قضاء سبتة شاباً، فاشتهر بنزاهته وغزارة علمه، فنقل إلى قضاء غرناطة (سنة ٥٣١ هـ)، ثم أعيد بعد ذلك إلى قضاء سبتة (٥٣٩ هـ). فلما ظهر أمر الموحدين، بادر إلى الدخول في طاعتهم، وسار إلى لقاء الخليفة عبد المؤمن، وهو بسلا في أواخر سنة ٥٤٠ هـ، فأكرمه عبد المؤمن وأجزل صلته، فعاد إلى سبتة واستمر في منصبه (١). بيد أنه لأسباب غير واضحة، تغير ضد الموحدين فجأة، ولم يلبث وفقاً للرواية المتقدمة، أن حرض أهل المدينة على الانتقاض والثورة، فثاروا بواليها الموحدي يوسف بن مخلوف التينمللي، وقتلوه ومن معه من الموحدين. ثم عبر القاضي عياض البحر إلى الأندلس، ولقى يحيى بن غانية المسّوفي، والى الأندلس المرابطي، وطلب منه والياً لسبتة، فبعث معه يحيى بن أبى بكر الصحراوي، وكان وفقاً لنفس الرواية قد عبر البحر إلى الأندلس، وانضم إلى ابن غانية. فقام الصحراوي بأمر سبتة، ثم كتبت إليه برغواطة تستنصر به على قتال عبد المؤمن، فغادر سبتة، وسار في صحبه إليهم، فبايعوه واجتمعوا تحت رايته (٢). بيد أن البيذق، بعد ذكر ما تقدم من اغتيال الصحراوي لابن ميمون، يقدم إلينا عن خطط الصحراوي ومسيره إلى الجنوب، تفاصيل أخرى، خلاصتها أن الصحراوي لما غادر سبتة، سار منها إلى طنجة، وهنالك ألفي واليها يحيى بن تايشا المرابطي، ممتنعاً بأسوارها القوية، وعلى أهبة حسنة للدفاع، فغادرها إلى سلا، وكان بها الخياط والد الثائر الماسي، وكانت قد خرجت فيمن خرج على طاعة الموحدين.

ولكن الخياط لم يكن من أنصار لمتونة، فساء التفاهم بينه وبين الصحراوي، ولم يلبث أن وثب به الصحراوي وقتله، ووقعت هذه الحوادث كلها في أوائل سنة ٥٤٣ هـ (١١٤٨ م) (٣).

وكان يحيى الصحراوي جندياً عظيماً، وفارساً وافر الجرأة (٤). وكان يعتزم


(١) ابن الخطيب في الإحاطة - مخطوط الإسكوريال في ترجمة القاضي عياض لوحة ٣٥٠.
(٢) روض القرطاس ص ١٢٤، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٣.
(٣) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٠٧.
(٤) المراكشي في المعجب ص ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>