للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينزل إلى ميدان تضطرم فيه ثورة ضد الموحدين. وكانت المنطقة الساحلية الممتدة من سلا جنوباً، حتى أراضي برغواطة، ودُكالة، قد غدت كلها بعد هزيمة الموحدين أمام برغواطة، منطقة لمقاومة الدعوة الموحدية، ومحاولة تحطيمها، فإلى هذا الميدان نزل الصحراوي في صحبه القلائل، واجتمعت برغواطة ودكالة حول رايته، ثم قدمت إليه حشود رَجراجة وحاحة، وانضمت إليه، واجتمع من هؤلاء وهؤلاء، قوة يخشى بأسها.

فلما علم عبد المؤمن باجتماع هذه الحشود الضحمة الخصيمة وتأهبها لمقارعته، بعث لقتال الثوار حملة بقيادة يصلاسن، أحد خاصته. فسار يصلاسن أولا إلى تادلا، ومنها إلى سلا لمعاقبة أهلها على نكثهم، فاقتحمها، وغلب على قصبتها بالسيف، فعاد أهلها إلى الخضوع والطاعة، وعهد بولايتها إلى موسى بن زيري الهنتاني. ثم سار إلى أرض بني ورياغل، فيما بين سلا ومكناسة، وكانوا من الناكثين، فأخضعهم واستاق غنائمهم إلى مكناسة، فقسمت بين الموحدين، ثم اتجه شمالا صوب طنجة، وكانت ما تزال من معاقل لمتونة، فاقتحمها، وقتل واليها المرابطي يحيى بن تايشا. وسار منها بعد ذلك شرقاً إلى سبتة وحاصرها، ولكنه لم يدخلها، وعاد بقواته إلى مكناسة (١). وهنا لابد لنا أن نتساءل عن سر هذا الإغضاء عن معاقبة المدينة الثائرة أعني سبتة. والجواب على ذلك هو أن القاضي عِياض، حسبما يروي لنا البيذق، بادر فبعث إلى القائد الموحدي ببيعته وبيعة أهل سبتة للموحدين، وبذلك أنقذت المدينة (٢). وفي رواية أخرى، أنه لما قدم الموحدون إلى سبتة، وشددوا في حصارها، سعى إليهم القاضي عياض، وتلطف في الاعتذار إليهم عما حدث، وفي استدرار عطفهم وصفحهم، فعفوا عنه، وملكوا البلدة، ولقى القاضي من القائد الموحدي يصلاسن بن المعز، كل عطف وإكرام، وأن القاضي عياض، سار بعد ذلك إلى مراكش (سنة ٥٤٣ هـ)، ليستعطف الخليفة ويلتمس صفحه، فعفا عنه عبد المؤمن، وأمره بلزوم مجلسه، وأغدق عليه عطفه. ثم مرض القاضي غير بعيد، وتوفي بمراكش في ليلة التاسع من جمادى الآخرة سنة ٥٤٤ هـ ودفن بها (١١٤٩ م) (٣). وأخيراً يقول لنا


(١) أخبار المهدي ص ١٠٧ و ١٠٨.
(٢) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٠٨.
(٣) وردت هذه الرواية خلال ترجمة للقاضي عياض يتضمنها مخطوط بالمكتبة الكتانية بخزانة الرباط عنوانه: " كتاب في التعريف بعياض "، ويحتفظ بها برقم ٥٥٣ (لوحات ٧ - ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>