للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب القرطاس " إن أهل سبتة حينما رأوا ما نزل بالناكثين من صنوف الويل، بادروا بإعلان بيعتهم وطاعتهم، وحمل البيعة إلى عبد المؤمن أشياخ المدينة وطلبتها فتقبلها منهم، وعفا عنهم، وعن القاضي عياض، ولكنه أمره بمغادرة سبتة والإقامة بمراكش، فصدع بالأمر وسار إلى مراكش، وهنالك توفي بعد قليل في جمادى الأخرى سنة ٥٤٤ هـ، وأمر عبد المؤمن كذلك بهدم أسوار سبتة فهدمت (١)، وأسندت ولايتها إلى حاكم موحدي هو عبد الله بن سليمان مع طائفة من الحفاظ، وعاد إليها الهدوء والسكينة.

واعتزم عبد المؤمن أن يخرج بنفسه ليقضي على الخارجين عليه في منطقة برغواطة ودُكالة، التي غدت بعد حلول الصحراوي بها مركزاً للمقاومة المرابطية.

فأرسل الكتب إلى سائر الأنحاء، وجاءت إليه حشود تترى من كل مكان، وكان في مقدمتهم يوسف بن وانودين، وقد وافاه بعساكر النواحي الشرقية، ولكنه توفي خلال الطريق بفاس، فخلفه في القيادة تاشفين بن ماخوخ وآخرون من الزعماء، ووفدت حشود المناطق الغربية وعلى رأسها عبد الله بن خيّار الجيّاني، الذي عرفناه من قبل مشرفاً على فاس، وقد لعب دوره في تسليمها إلى الموحدين، ثم حشود زناتة، بقيادة عبد الله بن شريف وثلاثة آخرين من الزعماء، وحشود غُمارة بقيادة عبد الله بن سليمان، وحشود صنهاجة بقيادة أبى بكر ابن الجبر وأبى يدِّر بن ومصال، وحشود جَراوة بقيادة عبد الله بن داود، واجتمعت هذه الحشود كلها تحت راية عبد المؤمن، فخرج من مراكش في عسكر جرار، وسار شمالا نحو أراضي دُكالة. وكانت حشود برغواطة ودكالة ويحيى الصحراوي قد اجتمعت عندئذ على مقربة من ساحل المحيط جنوبي ثغر أزمّور، وفي بعض الروايات أن هذه الجيوش التي اجتمعت لقتال عبد المؤمن بلغت زهاء عشرين ألف فارس ومائتي ألف راجل، وهو تقدير يحمل طابع المبالغة. ويقدم إلينا ابن خلدون تقديراً أكثر اعتدالا، فيقول إنهم كانوا في نحو ستين ألفاً من الرجالة وسبعمائة من الفرسان (٢). بيد أنها كانت خالية من فرق الرماة، التي امتازت بها الجيوش الموحدية. والظاهر أيضاً مما تذكره الرواية المذكورة أن عبد المؤمن لجأ إلى خطة لم يحسب حسابها خصومه، وفاجأهم بالهجوم، فاختل


(١) روض القرطاس ص ١٢٤.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>