للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظامهم، وتبدد شملهم، واضطروا إلى مغادرة مراكزهم الحصينة نحو البحر، فغرقت منهم جموع غفيرة، وتمت عليهم الهزيمة الساحقة (١)، ومزقت بالأخص حشود دكالة، وفر زعماؤها ومعهم يحيى الصحراوي إلى السوس، فسار في أثرهم يصلاسن حتى أراضي رجراجة، ومزق جموعها حتى أذعنت إلى التوحيد، وفر يحيى إلى الصحراء. وفي رواية أخرى أنه بعث إلى عبد المؤمن يستأمنه فأمنه وبايعه وحسنت طاعته (٢). واستولى عبد المؤمن على أسلاب برغواطة ودكالة، وسبى نساءهم وأولادهم وبيعوا رقيقاً. وأذعنت برغواطة إلى التوحيد، واسترد الموحدون منها ما سبق أن غنموه من أبى حفص حين هزيمته من السلاح والعتاد، وكذلك رُد إليه ولده وجاريته، وانتشر الموحدون في تلك المنطقة، وأخمدوا عدة ثورات محلية صغيرة. ووقعت هذه الحوادث حسبما يقص علينا البيذق في سنة ٥٤٣ هـ (١١٤٨ م) (٣)، وعاد عبد المؤمن إلى مراكش ظافراً بعد أن قضى في تلك الغزوة ستة أشهر.

- ٢ -

وهكذا هدأت الثورة ضد الموحدين في مختلف النواحي، وأرغمت معظم القبائل والقواعد الثائرة، بقوة السيف، والسيف وحده، على العودة إلى الخضوع والطاعة. ولكن ما بثته هذه الثورات المضطرمة، من أقوام كان معظمهم قد آمن بدعوة المهدي، وانضوى تحت لوائها، في نفوس الموحدين من المرارة والسخط، كان نذيراً بفورة دموية جديدة. ولقد رأينا فيما تقدم، من مراحل الصراع بين الموحدين والمرابطين، كيف كان هذا الصراع يتميز في كثير من المواطن، بألوانه الدموية المثيرة، وكيف كان الموحدون يتبعون نحو المهزومين والعزّل من خصومهم، خطة التقتيل الشامل، وسفك الدماء دون تحفظ، وهي خطة كانت حسبما رأينا شعار المهدي ابن تومرت في محاربة خصومه. والظاهر أن هذه النزعة الدموية استمرت في الموحدين أجيالا، حتى بعد أن توطدت دولتهم بمدة طويلة، فإن المراكشي مثلا، وهو من مؤرخي الموحدين،


(١) الحلل الموشية ص ١١١.
(٢) روض القرطاس ص ١٢٤.
(٣) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٠٩. وفي ابن خلدون أنها وقعت في سنة ٥٤٢ هـ.
كتاب العبر ج ٦ ص ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>