للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن حمدين بقصر الخلافة، وتسمى بأمير المسلمين وناصر الدين، ووفقاً لقول ابن الأبار بأمير المسلمين المنصور بالله، وفي بعض الروايات بأمير المؤمنين. ودعى له على منبر قرطبة ومعظم منابر القواعد الأندلسية. وكان ابن غانية قد سار عندئذ إلى لبلة ليجهز على المريدين الذين تحصنوا بها، فلما علم بما وقع في قرطبة، عاد أدراجه إلى إشبيلية. ولكنه ما كاد يستقر بها حتى ثار به أهلها، وناصبوه الحرب وجرح أثناء القتال الذي نشب بينه وبينهم، فارتد عندئذ في قواته إلى حصن مرجانة القريب (١).

وفي تلك الأثناء تطورت الحوادث في قرطبة، وسعى فريق من شعبها القُلّب إلى الاتصال بأبى جعفر أحمد بن عبد الملك بن هود الملقب بسيف الدولة المستنصر بالله. وقد فصلنا فيما تقدم سيرة هذا الأمير، وكيف آل أمره إلى مغادرة روطة آخر قواعد بني هود في الثغر الأعلى، وتسليمها إلى ملك قشتالة ألفونسو ريمونديس مقابل أراض منحها إياه في منطقة طليطلة، وذلك في سنة ٥٣٤ هـ (١١٣٩ م).

وقد لبث سيف الدولة، الذي تعرفه الرواية النصراية باسم "سفادولا" Zafadola مقيماً في أراضيه الجديدة، في كنف ملك قشتالة، بضعة أعوام، حتى قامت الثورة في قرطبة وفي غيرها من القواعد الشرقية. وكان فريق من أهل قرطبة يرى في هذا الأمير - آخر بني هود ملوك سرقسطة السابقين - خير ممثل للزعامة الأندلسية العريقة، ومن ثم فقد عملوا على استدعائه، ليتولى إمارة قرطبة. ولبى سيف الدولة هذه الدعوة، وجاء إلى قرطبة، فدخلها بممالأة فريق كبير من أهلها، فبادر ابن حمدين إلى الفرار، ولحق بحصن فرنجولش المنيع، الواقع شمال غربي قرطبة، في سطح جبل الشارات (سييرّامورينا). بيد أن هذا الإزعاج لم يطل أمره. ذلك أنه لم يمض أيام قلائل على قيام سيف الدولة بالأمر، حتى ثار القرطبيون مرة أخرى، وهاجموا القصر، وفتكوا بابن الشماخ وزير سيف الدولة، وعدة من أصحابه، ففر سيف الدولة ناجياً بنفسه، ولما يمض على وجوده في قرطبة اثنا عشر يوماً، وقصد إلى مدينة جيان، وكان قد ثار بها القاضي ابن جزى، فتغلب عليه وملكها منه، ثم خاض عدة حوادث أخرى نرجىء التحدث عنها، حتى نستوفي حوادث قرطبة (٢).


(١) ابن الأبار في التكملة رقم ١١٩، ج ١ ص ٣٨ و ٣٩، وابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٥٣، وفي الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٣٠٦. وفي مخطوط الإسكوريال السالف الذكر لوحة ٣٩٢.
(٢) الحلة السيراء ص ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>