للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كاد سيف الدولة يغادر قرطبة، حتى عاد إليها ابن حمدين من حصن فرنجولش واستأنف رياسته، واستطاع في الأشهر القلائل التي عاشتها حكومته، أن يدون الدواوين، وأن يجند الأجناد، وأن يرسم الخطط، وبعث إلى بعض زملائه الثوار في القواعد الأخرى في طلب الاعتراف برياسته، فاعترف بها بعضهم، ومن هؤلاء أبو الغمر بن عزون (١) صاحب شريش، وأبو جعفر بن أبى جعفر صاحب مرسية.

واستمرت رياسة ابن حمدين الثانية أحد عشر شهراً. ولكن فريقاً من خصومه الناقمين على حكمه، كتبوا إلى يحيى بن غانية في القدوم عليهم، واستعادة سلطانه على المدينة. فسار ابن غانية من إشبيلية قاصداً إلى قرطبة، في جمادى الآخرة سنة ٥٤٠ هـ (١١٤٥ م). وبرز ابن حمدرن من قرطبة في قواته للقائه، فالتقيا بأحواز إستجة في جنوب غربي قرطبة، وكانت بينهما وقيعة، هزم فيها ابن حمدين، وفر إلى بطليوس، ملتجئاً إلى حماية صاحبها عبد الله بن الصميل من زعماء المريدين. ودخل ابن غانية قرطبة في الثاني عشر من شعبان من تلك السنة، ثم غادر ابن حمدين بطليوس، وسار إلى حصن أندوجر الواقع شرقي قرطبة وتحصن به، وبسط سلطانه على البلاد المجاورة، فتحرك ابن غانية إلى قتاله، وحاصره في أندوجر مدى شهر. وهنا لجأ ابن حمدين إلى تلك الوسيلة القديمة الذميمة، التي كانت عماد الطوائف في محاربة بعضهم بعضاً، وهي الاستنصار بعاهل قشتالة، القيصر ألفونسو ريمونديس.

ويقول لنا ابن الخطيب إن ابن حمدين، " أطمع القيصر في قرطبة "، فاستجاب

إلى دعوته، وتحرك وفقاً للرواية العربية إلى نصرته. ولكن الرواية النصرانية

تقول لنا إن القيصر أرسل إلى معاونة ابن حمدين، الدوق فرناندو خوانس في بعض قواته (٢). ولما وصل القيصر إلى أندوجر، ولم يستطع ابن غانية، دفعاً للنصارى، انصرف في قواته إلى قرطبة، فسار النصارى في أثره، ومعهم حليفهم ابن حمدين في أصحابه، ودخل النصارى وابن حمدين قرطبة في العاشر من ذي الحجة سنة ٥٤٠ هـ (مايو ١١٤٥ م)، وامتنع ابن غانية في المدينة، يدافع النصارى في صبر وجلد. وعاث القشتاليون في شرقي قرطبة، واستباحوا المسجد الجامع، وأخذوا ما كان فيه من النواقيس التي كانت رؤوساً للثريات، ومزقوا المصاحف، ومنها فيما زعموا مصحف عثمان، ونزعوا المنار من الصومعة، وكان من الفضة


(١) رسمت كذلك - ابن عزون - في البيان المغرب ص ٢٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٤، وابن صاحب الصلاة (مخطوط المن بالإمامة لوحة ١٧٥ أ). ولكن ابن الأبار يرسمها ابن غرون الحلة السيراء ص ٢٢٢
(٢) F. Codera: cit. Anales Toledanes (Dec. y Disp.) p. ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>