للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخالصة، وأحرقوا الأسواق. كل ذلك وابن غانية صامد يدفع النصارى عن القصبة بمنتهى الشدة والبسالة (١).

وحدث عندئذ أن جاءت الأخبار بأن الموحدين قد عبروا البحر إلى إسبانيا، وأن أهل إشبيلية خلعوا طاعة المرابطين، فاهتم القيصر لهذه الأنباء، ورأى من الفطنة أن يهادن ابن غانية، وأن يتركه بقرطبة " سداً بينه وبين بلاده ".

ْوهكذا تم التفاهم بين القيصر وابن غانية، وعقدت شروط الهدنة، وخرج ابن غانية من القصبة، واستحضر له القيصر أهل قرطبة بين يديه، وقال لهم " إني قد فعلت معكم من الخير ما لم يفعله من قبلي، وتركتكم رعية لي، وقد وليت عليكم يحيى بن غانية، فاسمعوا له وأطيعوا ".

ويقص علينا ابن الخطيب الذي ننقل عنه هذه التفاصيل، أن القيصر مضى ْفي مخاطبة أهل قرطبة، فقال " ولا يربكم أن تكونوا تحت يدي ونظري، فعندي كتاب نبيكم إلى جدي ". حدث ابن أم العماد وأبو الحسن قال، حضرت، وأحضر حقاً من الذهب، فُتح وأخرج منه كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم، وهو جده بزعمه. والكتاب بخط علي بن أبي طالب. قال أبو الحسن، قرأته من أوله إلى آخره كما جاء في حديث البخاري (٢).

وهكذا استقر ابن غانية بقرطبة، وأخذ في تحصين القصبة، واشتد في معاملة أهلها، وأخذ يسومهم الخسف، لما أثموا به في حقه وغدروا به. وعهد بضبط المدينة، وتدبير شئونها لمولاه فلوج العلج، وكان حازماً شديد الوطأة، فمال على أهل المدينة، وأذلهم وانتزع كثيراً من أموالهم.

واستمر ابن غانية على تهادنه مع القشتاليين نحو عام آخر، تطورت الحوادث خلاله بسرعة. أما ابن حمدين فقد غادر قرطبة مع النصارى، وسار إلى حصن فرنجولش، ولبث به فترة قصيرة، ثم عبر البحر إلى المغرب، وسار إلى مقابلة الخليفة عبد المؤمن أسوة بمن سار إلى لقائه، من زعماء الثورة في الأندلس، فلقيه تحت أسوار مراكش، وهو محاصر لها (أوائل سنة ٥٤١ هـ) حسبما تقدم ذكره، فأحسن الخليفة استقباله. ثم عاد إلى الأندلس فنزل بمالقة، في كنف زميله وحليفه ابن حسون الثائر بها، وحاول مرة أخرى أن يسترد سلطانه


(١) نقلنا هذه التفاصيل عن ابن الخطيب في الإحاطة في ترجمة ابن غانية (مخطوط الاسكوريال السالف الذكر لوحة ٣٩٢).
(٢) ابن الخطيب في الإحاطة (مخطوط الإسكوريال) نفس اللوحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>