للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقرطبة، فأخفق مسعاه، وارتد ثانية إلى مالقة، واستقر بها حتى توفي في رجب سنة ٥٤٦ هـ (نوفمبر ١١٥١ م) ودفن بمسجدها الجامع. ولما استولى الموحدون على مالقة، بعد ذلك بعشرين شهراً، نبشوا قبره، واستخرجوا جثمانه وصلبوه، وهو وفقاً للرواية، بحاله لم يتغير (١).

- ٣ -

كان من أصداء ثورة ابن حمدين في قرطبة أن قامت في نفس الوقت في غرناطة ثورة مماثلة، زعيمها القاضي أبو الحسن علي بن عمر بن أضحى. وكان أبو الحسن هذا من أهل ألمريّة، وبها ولد في سنة ٤٩٢ هـ، وولى قضاءها بعد قاضيها الزاهد ابن الفرّا. ولما قامت ثورة ابن حمدين بقرطبة، كان ابن أضحى بمدينة غرناطة، فبعث إليه ابن حمدين يدعوه إلى اتّباعه والدعوة له. فاستجاب ابن أضحى لدعوته، وآزره فريق كبير من أهل المدينة، وتعاونوا على إخراج الملثمين (المرابطين) منها، فاعتصموا بالقصبة، ونشب القتال بن الفريقين، وكان أمير غرناطة المرابطي يومئذ، هو علي بن أبي بكر المعروف بابن فنّو.

وهو اسم أمه، أخت علي بن يوسف. ولما شعر ابن أضحى بتفوق المرابطين، استغاث بحليفه ابن حمدين صاحب قرطبة، وابن جزى قاضي جيان، فبعث إليه ابن حمدين بعض قواته بقيادة ابن أخيه علي بن أبى القاسم المعروف بابن أم العماد. ولكن حدث خلال ذلك، أن رأى فريق من أهل غرناطة، أن يلتجئوا إلى رئيس يولونه على أنفسهم، ويستطيع مغالبة اللمتونيين، واقترح البعض أن يكون هذا الرئيس هو سيف الدولة بن هود، لقدم بيته، وبعد صيته في الرياسة، وتغلبه على جيان وغيرها من القواعد، وأيدهم في ذلك ابن أضحى وأصحابه. وبعث أهل المدينة برغبتهم إلى ابن هود، فلباها، وقدم إلى غرناطة في عسكر " من أوباش النصارى وسقاط الجند ". فلما رأى ابن أم العماد تطور الأمور على هذا النحو، ارتدت قواته ثانية إلى قرطبة. وتعاهد ابن أضحى وابن هود على مدافعة اللمتونيين. وكان اللمتونيون حين مقدم ابن هود، قد أنسوا ضعف عسكره، وانحلال جنده، فبرزوا للقائه خارج غرناطة، ونشب بينهما قتال شديد، فهزم ابن هود، وقتل كثير من أصحابه، وكان ذلك في اليوم


(١) ابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٥٤. ويقول الضبي إن وفاته كانت في سنة ٥٤٣ هـ (بغية الملتمس ص ٢٦١)، ويقول ابن الأبار إنها كانت في سنة ٥٤٨ هـ (التكملة رقم ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>