التاسع عشر من ذي الحجة سنة ٥٣٩ هـ. ولم يستطع ابن هود أن يدخل غرناطة إلا بشق الأنفس، فدخلها مع من بقي من رجاله، من فوق الأسوار، ومن أعلى التلال، ثم جاز إليها من باب مورور، بعد أن اشتبك في معركة أخرى مع قوة مرابطية ثانية، وفقد عدداً آخر من جنده (١). وفي رواية ابن الأبار أن ابن هود وابن أضحى لبثا على قتال المرابطين بالقصبة شهراً، وفي خلال ذلك جرح ولد ابن هود عماد الدولة وأسر ومات بالقصبة، فدفع المرابطون بنعشه إلى أبيه.
ثم توفي القاضي ابن أضحى، فتقدم ولده محمد مكانه، واستمر في التعاون مع ابن هود في مدافعة اللمتونيين. وقدم في نفس الوقت عسكر من مرسية قوامه نحو ألفي فارس بقيادة قاضيها الثائر بها ابن أبى جعفر، فخرج إليه اللمتونيون، فهزموه وقتلوه ومعظم عسكره، واستباحوا البلد - غرناطة - استباحة قهر وغلبة، وفر معظم الناس عن منازلهم، ثم ارتدوا إلى القصبة واعتصموا بها. فلما رأى ابن هود تفاقم الأمور على هذا النحو، وأنه لا طاقة له بمقاومة اللمتونيين، غادر غرناطة، وفر إلى قاعدته جيان، وكان قد ترك بها ابن عمه نائباً عنه. وقد أورد لنا ابن الأبار، في ترتيب هذه الحوادث، رواية أخرى خلاصتها، أن ابن أضحى لما قام بثورته، دعا أولا لابن حمدين وذلك في رمضان سنة ٥٣٩ هـ، فامتنع الملثمون بالقصبة، إلى أن وصل من جيان مع بعض قواد الثغر مدد لابن أضحى، وانضم إليه جمع وافر من أهل غرناطة، فخرج إليهم الملثمون، وهزموهم شر هزيمة، ثم عادوا إلى القصبة. ودامت الحرب بين الفريقين مدة داخل غرناطة وخارجها، إلى أن قدم ابن أبى جعفر القائم بمرسية في عسكر قيل إنه كان يبلغ اثني عشر الفاً بين خيل ورجل، فخرج إليهم الملثمون مرة أخرى وهزموهم، وقتلوا ابن أبى جعفر، ثم عادوا إلى الاعتصام بالقصبة مرة أخرى.
وهنا قدم ابن هود في قواته ودخل غرناطة من باب مورور، فاستقبله ابن أضحى وأنزله، واستسقى ابن هود، فأمر له بقدح من الماء المسموم.، فصاحت به العامة محذرة، فخجل ابن أضحى، وتناول القدح وشرب منه، لكي يدفع مظنة الاتهام، فمات من ليلته، وانتقل ابن هود إلى القلعة الحمراء، والقتال متصل بين الملثمين. وأهل غرناطة، حتى كان ذات يوم تمكن الملثمون فيه من
(١) نقلنا التفاصيل المتقدمة عن كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي، وقد وردت في ترجمة علي بن عبد الله بن ثابت الأنصاري (عن نسخة خزانة الرباط المصورة عن نسخة باريس).