للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنه وقتلوه. وبقي ابن هود بعد ذلك نحو شهر في غرناطة، والصعاب تكتنفه من كل صوب، ثم هم أهل غرناطة بمناوأته ففر عنها ليلا وقصد إلى مرسية، أو إلى جيان. وقام من بعده بأمر غرناطة أبو بكر محمد بن أبى الحسن بن أضحى، ولكنه لم يلبث بها سوى أيام قلائل، وهو يدافع خصومه، ثم فر بعد ذلك إلى المُنكّب ناجياً بنفسه (أول سنة ٥٤٠ هـ) واضطر أهل غرناطة إلى التفاهم مع حاكمها المرابطي ميمون بن يدِّر بن ورقاء، وكان قد خلف أميرها السابق على بن فنّو بعد وفاته، وهكذا استعاد اللمتونيون سيطرتهم على غرناطة (١).

وكان القاضي أبو الحسن بن أضحى فقيهاً بارعاً، وأديباً، وشاعراً جزلا، وقد أورد لنا ابن الأبار طائفة من نظمه، ومن ذلك قوله:

يا ساكن القلب رفقاً كم تقطعه ... الله في منزل قد ظل مثواكا

يشيد الناس للتحصين منزلهم ... وأنت تهدمه بالعنف عيناكا (٢).

- ٤ -

وحدث في مالقة نفس ما حدث في قرطبة وغرناطة، وانقلب قاضيها إلى تزعم الثورة بها ضد المرابطين. وإنه لما يلفت النظر في هذه الأحداث المتشابهة، تلك الظاهرة العجيبة، وهي أن قادة الثورة ضد المرابطين لم يكونوا زعماء الجند، وإنما كان معظمهم قضاة من رجال القلم. ففي قرطبة، وجيان، وغرناطة، ومالقة، ومرسية، وبلنسية، وغيرها، كان زعماء الثورة قضاة، فقهاء أدباء وشعراء، من أعلام التفكير في ذلك العصر. وقد نجد تعليلا لتلك الظاهرة، فيما كان يتمتع به الفقهاء والقضاة، في ظل الدولة اللمتونية من واسع الجاه والنفوذ، حتى تركزت فيهم عناصر الزعامة المحلية، التي كان يتمتع بها من قبل جيل الأمراء والقادة، الذين اختفى معظهم حينما قضت الدولة اللمتونية على دول الطوائف، وإلى أنه لما أخذ نجم الدولة اللمتونية في الأفول، وانهار سلطان أولئك القضاة بانهيار الدولة، التي أظلهم سلطانها ونفوذها، حاولوا بإضرام نار الثورات المحلية، وتولى زعامة مدائنهم، أولا أن يحتفظوا بسابق رياستهم، وثانياً أن يستردوا سلطانهم القومي، بعدما تحطم نير الدولة الغالبة. وسوف نرى فيما بعد، أنه بعد أن تختفي هذه الثورات المحلية الصغيرة، سواء بالقضاء


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٠٩.
(٢) الحلة السيراء ص ١٠٩ و ٢١٠ و ٢١١ وقد وردت بها مقطوعات شعرية أخرى لابن أضحى.

<<  <  ج: ص:  >  >>