عليها، أو بانضواء قادتها تحت لواء الدولة الموحدية الجديدة، تبقى عناصر الثورة القومية الأندلسية العسكرية والسياسية، مستمرة مدى جيل آخر، على يد بعض الزعماء، الذين لم يجدوا في قيام الدولة الموحدية بالأندلس، مكان الدولة المرابطية، تحقيقاً للغاية القومية التحريرية، التي كانت تبتغيها الأندلس، من تحطيم نير أولئك الغزاة البربر، الذين جاءوا إليها من وراء البحر، باسم الجهاد في سبيل الله، ثم استقروا فيها سادة حاكمين.
في الوقت الذي قام فيه ابن حمدين بقرطبة، وابن أضحى بغرناطة، نهض بمالقة قاضيها أبو الحكم بن حسّون، ليتزعم ثورة مماثلة. وهو الحسين بن الحسين ابن عبد الله بن الحسين الكلبي بن حسّون، ويكنى بأبى الحكم، وكان ينتمي إلى بيت من أعرق بيوتات مالقة، اشتهر بالعلم والجاه والسراوة. وُلي قضاء مالقة في سنة ٥٣٨ هـ، مكان قاضيها أبى محمد الوحيدي حينما استقال لفقد بصره؛ ولما وقعت الثورة بقرطبة وغرناطة، وغيرها من القواعد، في هذا الوقت بالذات، وتكاتب القضاة، أعلن أبو الحكم الثورة في مالقة، ودعا لنفسه، وقام بأمر المدينة، وحاصر اللمتونيين في القصبة، ولبث على منازلتهم ستة أشهر، حتى أخرجهم منها، وملك القصبة، واستقر بها وتسمى بألقاب الإمارة، وعين أخاه أبا الحسن قائداً لقواته، وأسند إليه ولاية قرطمة وما إليها.
ولكن المرابطين في أنتقيره وغيرها من الحصون المجاورة، استمروا في مهاجمته ومضايقته، حتى اضطر أخيراً، أن يستعين بالمرتزقة النصارى، واضطر من أجل دفع أجورهم، أن يرهق أهل المدينة بالمطالب والمغارم المختلفة، فنقموا عليه مسلكه، وداخل فريق منهم رجلا من خاصته، كان قائد الحرس ببابه يدعى اللوشي، وائتمروا معه على الإيقاع بأبى الحكم. ونجحت المؤامرة، واستطاع المتآمرون بمعاونة اللوشي، أن يخترقوا الأبواب، وأن يملكوا القصبة، فامتنع ابن حسون داخل القصر، ودافع عن نفسه بأعنف ما يستطاع، فلما نفدت جهوده، وقتل أخوه وأيقن بالهلاك، نفذ إلى داخل داره، وأراد أن يقتل نساءه وبناته صوناً لهن، فاعتصمن منه بالغرف والبيوت الداخلية، فعمد عندئذ إلى إحراق كتبه وذخائره، تم تناول سماً فلم يقتله لفوره، فتحامل على نفسه، وطعن نفسه برمح نفذ إلى ظهره، ولكنه لم يمت وارتمى وهو يحتضر متخبطاً في دمه، ودخل أعداؤه القصر فألفوه على تلك الحالة، ومات بعد يومين في الحادي عشر