للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتداء بزملائه القضاة في قرطبة، وغرناطة، ومالقة، ومرسية وغيرها. وليست لدينا عن حكمه وأيامه بجيان تفاصيل شافية. بيد أن رياسته لم تطل فيما يبدو، لأن سيف الدولة بن هود استطاع التغلب على جيان وانتزاعها منه، قبيل مسيره إلى قرطبة في أواخر سنة ٥٣٩ هـ (أوائل سنة ١١٤٥ م) (١).

- ٧ -

وشملت الثورة أراضي مثلث الأندلس الجنوبي، فقامت في رُندة، وشَريش وقادس حكومات مستقلة، وقضى فيها على سيادة المرابطين. ففي رندة قام رجل من رجال القلم، وهو أخيل بن إدريس الرندي، وأنشأ بها حكومة مستقلة.

وكان أخيل هذا، وهو في الأصل من أهل رندة، كما يدل على ذلك اسمه، كاتباً أديباً شاعراً، وكتب في بداية حياته للملثمين. ولما قام ابن حمدين في قرطبة، استخدمه في بطانته، وكتب له، وكان وثيق الصلة به مذ كان متولياً قضاء قرطبة.

فلما استرد الملثمون قرطبة على يد ابن غانية، وسقطت حكومة ابن حمدين، سار أخيل إلى بلده رندة، وكانت أمورها فوضى لا ضابط لها، فدعا لنفسه، واستطاع أن يقوم بحكمها وضبطها، ولكن فريقاً من خصومه سعوا إلى إسقاطه، وخاطبوا أبا الغمر بن السائب بن عزون، صاحب شريش، في القدوم إلى رندة، والتغلب عليها. فاستجاب لهم، وقدم إلى رندة. واستطاع بمخادعة أخيل، أن يستولي على القصبة دون قتال، وانتزع أموال أخيل وأموال أصحابه، وفر أخيل ناجياً بنفسه إلى مالقة، ثم عبر البحر منها إلى المغرب، واتصل في مراكش بالوزير ابن عطية، فأكرم وفادته، وساعده فيما بعد على استرداد أمواله. ولما استولى الموحدون على الأندلس، وُلي قضاء قرطبة، ثم قضاء إشبيلية، وتوفي بإشبيلية سنة ٥٦١ هـ (١١٦٦ م)، وكان أديباً مطبوعاً وشاعراً جزلا (٢).

وكان ابن عزون في مقدمة الثوار الذين خلعوا طاعة المرابطين، فقام في بلده شَريش، وأنشأ حكومة مستقلة، في نفس الوقت الذي قام فيه أحمد ابن قسيّ في الغرب. وقوى أمر ابن عزون بسرعة، وبسط سلطانه على أركش، ثم على رندة حسبما تقدم، وأعلن انضواءه في البداية تحت طاعة ابن حمدين صاحب


(١) أشار ابن الخطيب في أعمال الأعلام إلى ثورة ابن جزى في جيان إشارة عابرة ص ٢٥٩.
(٢) الحلة السيراء ص ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>