للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرطبة. فلما تطورت الحوادث وانهارت حكومة ابن حمدين، واضطر إلى مغادرة قرطبة، نادى بخلع طاعته، والاستقلال بدعوته. وفي أوائل سنة ٥٤١ هـ، عبر البحر إلى المغرب، وسار إلى لقاء الخليفة عبد المؤمن، وهو يومئذ يعسكر بمحلته تحت أسوار مراكش وبايعه بالطاعة، وكان من الوافدين على عبد المؤمن في نفس الوقت ابن حمدين زعيم قرطبة السابق (١). ولما عبر الموحدون إلى الأندلس، كان ابن عزون وجند شريش أول من لقيهم، وانضم إليهم. ويقدم إلينا صاحب روض القرطاس، رواية أخرى، خلاصتها أن أبا الغمر (ويسميه محرفاً أبا القمر) وهو من بني غانية، كان هو القائد المرابطي لشريش، وأنه لما عبر الموحدون البحر إلى الأندلس لأول مرة في سنة ٥٣٩ هـ، وفتحوا مدينة شريش صلحاً، انضم إليهم أبو الغمر في قواته، وكانت ثلاثمائة فارس، وأعلن بيعة عبد المؤمن، فكانت شريش بذلك أول قاعدة أندلسية دخلت في طاعة الموحدين، وكان الموحدون لذلك يسمون أهلها بالسابقين الأولين، ومن أجل ذلك حررت أملاكهم من المغارم، وكانت وفود الأندلس إذا قدمت للسلام على الخليفة الموحدي، كان وفد شريش أول الداخلين. وتم فتح شريش وفقاً لهذه الرواية في شهر ذي الحجة سنة ٥٣٩ هـ (١١٤٥ م) (٢). على أننا نؤثر الأخذ بالرواية المتقدمة، وهي تقدم إلينا ابن عزون ضمن ثوار الأندلس، ثم تفصل لنا أعماله وحركاته في منطقة الفُرُنتيرة، ووفوده على عبد المؤمن بما يتفق مع باقي الحوادث التي وقعت في تلك المنطقة في تلك الفترة، وهي رواية يؤيدها ابن الأبار، وابن عذارى، وابن خلدون، وهي بذلك في نظرنا أوثق وأكثر قبولا (٣).

ونختتم هذا الثبت من ثوار غربي الأندلس ضد المرابطين بذكر زعيمين آخرين، أولهما على بن عيسى بن ميمون والى ثغر قادس، وقائد الأسطول المرابطي بهذه المنطقة، وقد كان في مقدمة الزعماء الذين خلعوا طاعة المرابطين، وفي سنة ٥٤٠ هـ عبر البحر إلى المغرب، وسار إلى لقاء عبد المؤمن، وكان يومئذ قائماً على حصار فاس، فقدم إليه طاعته، ثم عاد إلى قادس، وأقام بها الخطبة


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٢.
(٢) روض القرطاس ص ١٣٢.
(٣) راجع الحلة السيراء ص ٢٢٢، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>