للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستطالتهم على قرطبة، وما يقتضيه ذلك من مزيد العون والجهاد، وذلك كله حسبما فصلناه من قبل في موضعه (١).

كان لمقدم هذه الوفود الأندلسية المتوالية أثرها في إذكاء العزم، الذي تكون لدى عبد المؤمن من قبل، نحو شئون الأندلس، ومبادرته إلى التدخل الفعلي في حوادثها، ومضاعفة جهوده في توجيه البعوث العسكرية إليها. وقد اختلفت الرواية في تحديد تاريخ تدخل الموحدين في شئون الأندلس، وفي كيفية هذا التدخل. ففي رواية صاحب روض القرطاس ومن روى عنهم، أن هذا التدخل يرجع إلى أواخر سنة ٥٣٩ هـ (١١٤٤ م) عقب افتتاح عبد المؤمن لتلمسان، ففي هذا التاريخ بعث عبد المؤمن إلى الأندلس جيشاً موحدياً من عشرة آلاف فارس بقيادة الشيخ أبى عمران موسى بن سعيد، ونزل هذا الجيش بساحل الجزيرة الخضراء، وكان أول بلد افتتحوه هو مدينة شريش، افتتحوها صلحاً، إذ خرج صاحبها أبو الغمر بن عزون، وهو من بني غانية المرابطين، في حامية المرابطين، وقوامها ثلاثمائة فارس، وبايع لعبد المؤمن، وأعلن دخوله في طاعته.

وكان الموحدون لذلك يسمون أهل شريش بالسابقين الأولين، وحررت أملاكهم من المغارم، وكان خلفاء الموحدين إذا قدمت عليهم وفود الأندلس للسلام، يقدمون وفد شريش، وُينادى عليهم أين السابقون، ثم تتلوهم بقية الوفود.

ويحدد لنا صاحب روض القرطاس، نقلا عن ابن فرحون، دخول الموحدين شريش بشهر ذي الحجة سنة ٥٣٩ هـ. ودخل الموحدون بلدة طريف والجزيرة الخضراء قبل ذلك بقليل، وفر المرابطون منها إلى إشبيلية (٢). بيد أن هذه الرواية التي ينفرد بها صاحب روض القرطاس، تعارضها رواية أخرى هي رواية ابن الأبار وابن خلدون، وهي تدلى بأن تدخل الموحدين في شئون الأندلس يرجع إلى سنة ٥٤٠ هـ، وأن أول جيش موحدي وُجه إلى الأندلس، دخلها في أوائل سنة ٥٤١ هـ. وتفصيل ذلك هو أنه حينما كان عبد المؤمن يعسكر بجيشه تحت أسوار فاس في سنة ٥٤٠ هـ، وفد عليه علي بن عيسى بن ميمون قائد الأسطول المرابطي في مياه قادس، وقدم إليه طاعته، ثم عاد إلى الأندلس،


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٤، والحلل الموشية ص ١١١، وروض القرطاس ص ١٢٥، والحلة السيراء ص ٢٠٠.
(٢) روض القرطاس ص ١٢٢ و ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>