للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتضمن أمراً مشدداً من الخليفة إلى ولده السيد أبى سعيد عثمان والي غرناطة، بأن يسير بنفسه من غرناطة مع صحبه وبعض عسكره إلى جبل طارق، وأن يجتمع فيه بالطلبة الوافدين من إشبيلية، وبالشيخ أبى حفص عمر، وأبى إسحق برّاز ابن محمد، والحاج يعيش المالقي، والقائد عبد الله بن جيار، وأن يدرس الجميع خطط المدينة الجديدة، وأين يكون موقعها من الجبل. فصدع السيد أبو سعيد بأمر الخليفة ونهض في صحبه إلى جبل طارق، للعمل على تنفيذ الخطة المطلوبة، وطُلب في الكتاب إلى السيد أبى يعقوب والى إشبيلية أن يحشد جميع العمال البنائين والجيارين والنجارين والعرفاء، من جميع بلاد الأندلس التي تحت نظر الموحدين، وأن يعجلوا بالسير إلى الجبل، لتنفيذ الأمر الكريم، فنهض السيد أبو يعقوب بما طلب إليه، وسار من إشبيلية العريف أحمد بن باسُه، ومعه حشد كبير من العمال من بنائين وغيرهم من مختلف الحرف إلى جبل طارق، ووصل إليه في نفس الوقت جمهرة من القواد والكتاب وأهل الحساب، لتنظيم النفقة على الأعمال المطلوبة، ورصدها، وتم ذلك كله في سرعة ونظام وحزم.

قال ابن صاحب الصلاة: " وابتدأوا البناء في الوضع الذي وقع الجميع عليه، والاتفاق من نواحيه، بسيف البحر، مما يلاصقه ويليه، وزادت الآمال بأهل الأندلس إلى ما تقدم إليهم من الأمل، وتحققوا اليمن والسعد والفتح في بنيان هذا الجبل، وكان من أشغال السيد الأعلى أبى يعقوب بإشبيلية في إزعاج الفعلة والرجال للبناء المذكور، وأحكم البناءون فيه بناء من القصور المشيدة والديار، واخترعوا في أسسها طيقاناً وحنايا، لتعتدل بها الأرض، مبنية بالحجر المنجور والجيار، بما هو عجيب في الآثار. . وهذا شريف البقعة كريم التربة، عظيم المنعة، باسق مع أعشار السماء، تكاد في المسامتة إلى الجوزاء، وكل ما استودع في أرضه من البطحة المنبسطة، من بعضه، مما زكى وفضل وجل، وأثمر عن قرب لغرسه وأكمل، واستقل من جميع الفواكه، كشجر التين والعنب والتفاح والكمثرى، والسفرجل والمشموم والاجاص والأترج والجوز وغير ذلك، على ضيق ضفته الممتدة كالجبل، المستمدة من الظل والوبل، وماؤه عذب زلال، مروق سلسال. وكان الحاج يعيش المهندس مدة إقامته للبناء على ما ذكرته فيه، فوضع في أعلاه رحى تطحن الأقوات بالريح، عاينها الثقات مدة البناء المذكور، فلما رجع إلى مراكش عند إكمال ما أمر به فسدت الرحى، لعدم الاهتبال بها،

<<  <  ج: ص:  >  >>