للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتصل بهذا العمل من بناء الدور القصور، بناء السور والباب المسمى بباب الفتوح في الفرجة التي كان يدخل منها إلى الجبل، بين البحر المحدق به من كلا جانبيه، فجاء فرداً في المعاقل التي لا يتمكن لطامع فيه طمع، ولا يخطر على خاطر ساكنه جزع، من بر ولا بحر " (١).

واستمر العمل شهوراً بهمة مضاعفة، والسيد أبو يعقوب والي إشبيلية، يشرف على تنفيذ أوامر الخليفة، دون هوادة ولا كلل، والمهندسون والعرفاء، والعمال من كل ضرب، يبذلون أقصى جهدهم في إتمام المشروع، حتى كمل على أحسن وجه، وتم بناء المدينة الجديدة في شهر ذي القعدة سنة ٥٥٥ هـ (ديسمبر سنة ١١٦٠ م) وابتنى بها جامع، وقصر للخليفة، ودور لأبنائه وحاشيته، وغُرست الحدائق على طولها حذاء البحر، وجُلب إليها الماء العذب، وجدد الحصن والأسوار القديمة، وعنى بتحصين الصخرة، أكمل عناية، وسمي الجبل بأمر الخليفة جبل الفتح أو مدينة الفتح، وكانت المراسلات أثناء ذلك تتردد بين السيد أبى يعقوب ووالده الخليفة، بتحديد موعد عبوره، واستعداداً للاحتفال بهذا الحادث الجلل. وكان السيد أبو يعقوب يعتزم العبور إلى المغرب، وليعاين أثناء مسيره ما تم من الأعمال في جبل طارق، ولكنه ما كاد يركب السفينة التي أعدت بالنهر لعبوره، حتى وصلته أنباء استيلاء ابن همشك على قرمونة، وامتناع حاميتها الموحدية بالقصبة، فارتد من فوره إلى المدينة، وقد اضطربت بها الأحوال، ووجه فرقة من العسكر لإنجاد الحامية، ومقاتلة أهل قرمونة، وكان ذلك حسبما تقدم، في شهر ربيع الأول سنة ٥٥٥ هـ (مارس سنة ١١٦٠ م)، وهو الشهر الذي وصلت فيه رسالة الخليفة بإنشاء مدينة جبل طارق.

- ٣ -

وكان عبد المؤمن يرتقب إتمام المدينة الجديدة بجبل طارق، ليعبر إلى شبه الجزيرة، فلما كملت، وكان عندئذ في أحواز فاس، سار إلى سبتة في جموع ضخمة من الموحدين والعرب من بني رياح، وبني جشم، وبني عدى وغيرهم.

ويصف لنا ابن صاحب الصلاة مناظر احتشاد الناس على الشاطىء لرؤية موكب الخليفة، وجيشه في ذلك اليوم المشهود، في قوله: " وبرز إليه يوم إجازته


(١) كتاب المن بالإمامة على المستضعفين - المخطوط السالف الذكر لوحة ١٣ و ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>