للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهير ألبارهانيس. وسار هذا الجيش إلى غرناطة لإمداد ابن همشك. وكان ابن همشك قد نزل بالقلعة الحمراء القائمة فوق تل السبيكة في مواجهة القصبة، وشرع في منازلتها، وضربها بالمجانيق. وكان ابن همشك جباراً قاسياً، فظاً غليظاً في حربه، فكان يعذب من يقع في يديه من الموحدين بأروع نكال، ويلقيهم في أفواه المجانيق، ويقذفهم من الشواهق، ويحرقهم بالنار، ولكن الموحدين صمدوا بالقصبة، وكانت لديهم مؤن وافرة، وبعثوا إلى الخليفة في طلب الإنجاد، وكذلك إلى الموحدين في إشبيلية. وكان الخليفة عبد المؤمن، قد خرج كعادته من مراكش إلى سلا، لتنظيم شئون الجهاد، فبلغته حوادث غرناطة، وهو في طريقه، فلما وصل إلى سلا بعث ولده السيد أبا سعيد فيمن معه على جناح السرعة، وعبر السيد البحر إلى مالقة، وبعث منها يستدعى الشيخ أبا محمد بن عبد الله ابن أبى حفص القائم على ولاية إشبيلية ليوافيه عند غرناطة، بجيش إشبيلية.

واجتمعت القوات الموحدية، في فحص غرناطة (١)، وتقدمت حتى الموضع المسمى " بمرج الرقاد " على قيد أربعة أميال من غرناطة (٢)، وعندئذ خرج لقتالها ابن همشك في قواته وقوات مرسية من الأندلسيين والنصارى، وكانت تبلغ ألفي فارس. وليس في رواية ابن صاحب الصلاة ما يدل على أن ابن مردنيش قد اشترك في الموقعة التي تلت، ولكن ابن الخطيب يقول لنا إن ابن مردنيش قد مثل بنفسه في الموقعة، وكانت محلته قائمة فوق الربوة العالية المتصلة بربض البيّازين، وهي التي عرفت فيما بعد بكدية ابن مردنيش (٣). واضطرم القتال في الحال بين الفريقين، وسرعان ما ظهر تفوق ابن همشك وحلفائه النصارى، فاختل نظام القوات الموحدية ودارت عليها الدائرة، وكثر القتل فيهم، وغرق منهم في سواقي المرج ومياهه عدد جم، وكان بين القتلى الشيخ أبو محمد عبد الله ابن أبى حفص والي إشبيلية، وعدة من أشياخ الموحدين، وأكابر الأندلسيين.

وفر السيد أبو سعيد في نفر من صحبه إلى مالقة. وكانت نكبة موحدية بالغة الخطورة. وارتد ابن همشك في قواته المظفرة إلى القلعة الحمراء، ومعه جملة من أسرى الموحدين أفحش في تعذيبهم، والتنكيل بهم، وإزهاقهم بمرأى


(١) وهو المرج أو مرج غرناطة الشهير La Vega.
(٢) كان هذا الإسم يطلق على موضع يقع على بضعة كيلومترات من قرية الطرف Atarfe في سفح جبل إلبيرة على مقربة من نهر شنيل ويطلق عليه اليوم اسم Majorrocal
(٣) الإحاطة ج ٢ ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>