والفتوحات المظفرة، أكثر الرؤساء شبهاً بالمنصور بن أبى عامر، فإن هاتين الصفتين هما أبرز ما في حياة كل من هذين الرجلين العظيمين، وإن كانت غزوات المنصور تتسم قبل كل شىء بطابع الجهاد في سبيل الله.
ولم تحل نشأة عبد المؤمن العلمية دون تحوله في ميدان الحرب، إلى قائد من أعظم قواد عصره، وأشدهم فروسة، وأوفرهم شجاعة، وإقداماً. كان عبد المؤمن بصيراً بطرائق الحرب، وأساليب القتال، وقد أنفق في غزواته وحروبه أكثر من ربع قرن، ذرع فيها وهاد المغرب وقفاره، من أقصاه إلى أقصاه، شرقاً وغرباً، وشمالا وجنوباً، وخرج مكللا بغار الظفر في معظم هذه الغزوات والحروب، ولم يجتمع لملك من ملوك المغرب أو خليفة من خلفائه، مثل ما اجتمع لعبد المؤمن من الجيوش الجرارة، التي كانت تضم مئات الألوف من الفرسان والرجالة، من مختلف القبائل البربرية والعربية، وكان عبد المؤمن خلال الحروب والغزوات جندياً بمعنى الكلمة، يشاطر جنده مشاق السير الوعر، وتقشف حياة الميدان، وكانت عادته في أسفاره أن يرحل بعد صلاة الصبح، بعد أن يُضرب طبل ضخم ثلاث ضربات إيذاناً بالرحيل، وكانت حركة الجيوش الموحدية تجرى عندئذ وفق النظام الذي رسمه المهدي لمسيرها، فيتقدمها اللواء الموحدي الأبيض مع فرقة من الرجالة يكون بينها وبين الأمير نحو ربع ميل، ثم يسير الأمير أو الخليفة خلف اللواء المذكور تحف به خاصته ووزراؤه، ثم تتبعهم الرايات الكبار والطبول وجند الساقة، ثم جند كل قبيل بترتيب خاص (١).
وكان عبد المؤمن في معظم الأحيان يرسم خطط المعارك بنفسه، وربما قاد جنده، واشترك معهم في القتال.
وكان عبد المؤمن إلى جانب هذه الصفات العسكرية البارزة، من أعقل أهل عصره وأوفرهم ذكاء وحكمة، وكان حازماً سديد الرأي حسن السياسة، واسع الحيلة، يعالج الأمور الصعبة بكثير من الفطنة والكياسة.
وكان مما فعله عبد المؤمن لتنظيم أصحاب المهدي وطوائف الموحدين، بعد تعاقب الحوادث، وفقد الكثير من أهل الجماعة وأهل خمسين وأهل سبعين، أن استدعى أشياخ القبائل الموحدية من المصامدة وغيرهم إلى مراكش، ولما اكتمل دورهم، أعلن تصنيف الموحدين إلى ثلاث طوائف أو طبقات، الأولى،