هم " السابقون الأولون " الذين بايعوا الإمام المهدي وصحبوه وغزوا معه، وصلوا خلفه، والذين شاهدوا واقعة البحيرة واشتركوا فيها، ويتلو هذه الطبقة من آمن بالتوحيد، ودخل في زمرة الموحدين من بعد البحيرة إلى فتح وهران (سنة ٥٣٩ هـ)، وتتكون الطبقة الثالثة ممن انتظم في سلك الموحدين من فتح وهران إلى ما هلم جراً، وقد تم هذا التصنيف الجديد بعد أن روعيت فيه كل الاعتبارات، من الزلف والقرب والعدالة وغيرها، لتعرف كل طبقة مكانتها ومركزها (١).
وقد أسبغ عبد المؤمن بسياسته في تأليف القبائل المختلفة، وإدماجها في الجيش الموحدي الضخم، على هذا الجيش وحدة وتناسقاً، لم تعرفها الجيوش المغربية من قبل. بيد أنه لم يكن موفقاً في سياسته لتأليف القبائل العربية, وضمها للقوات الموحدية. ذلك أن هذه الفرق العربية التي استمرت عصراً تكون جناحاً هاماً في الجيوش الموحدية بالمغرب والأندلس، كانت متعثرة الولاء كثيرة التقلب، لا تدين بمبدأ ولا عقيدة، سوى انتهاز الفرص، والكسب المادي الرخيص، وكان تقاعسها وتقلبها في حروب إفريقية، فيما بعد أيام الخليفة أبى يعقوب يوسف وولده يعقوب المنصور من أهم الأسباب، في نجاح ثورة بني غانية في إقريقية، وتغلبهم على معظم نواحيها، وفي تخاذل الجيوش الموحدية في معظم المعارك التي خاضتها إلى جانبها.
وأما عن نظم الحكم والإدارة، فقد كان عبد المؤمن، وهو مؤسس الدولة الموحدية الحقيقي، أول من وضح القواعد والنظم التي يسترشد بها في تسيير دفة الحكم، وفي تطبيق السياسة الشرعية، وفي جباية الأموال. وقد انتهت إلينا في ذلك رسالة هامة من إنشاء الكاتب أبى جعفر بن عطية، وجهها الخليفة من تينملل في السادس عشر من ربيع الأول سنة ٥٤٣ هـ، إلى الطلبة والمشيخة والأعيان والكافة بالأندلس، وفيها يبسط ما يمكن أن يسمى بالأسس الدستورية لنظم الحكم الموحدي، ونحن نورد فيما يلي ملخصاً لما احتوته هذه الرسالة الدستورية الهامة، التي ينفرد ابن القطان بإيرادها.
١ - يقول الخليفة، إنه اتصل به أن بعض العمال ممن لا يخافون الله، يتسلطون بأهوائهم على الأموال والإبشار، ويستحلون حرمات المسلمين، وينقضون
(١) راجع الرسالة الثانية عشرة من " رسائل موحدية " ص ٥٣ و ٥٤.