للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عبد السلام الجراوي الشاعر، وهو ينتمي إلى قبيلة جَراوة البربرية، التي توجد منازلها على مقربة من مليلة، وكان أديباً بارعاً وشاعراً جزلا فحظى لديه، ثم لدى أولاده من بعده، وغدا شاعر البلاط الموحدي الأثير، وظهر بمدائحه للخلفاء المتعاقبين حتى عهد الناصر، وألف للخليفة المنصور كتابه " صفوة الأدب " حسبما نذكر بعد.

ووجه أبو عبد الرحمن بن طاهر صاحب مرسية المخلوع إلى عبد المؤمن رسالته الشهيرة " الكافية " في إثبات أمر المهدي بالدليل والبرهان في صورة مناقشة بين النفس المطمئنة، والنفس الأمارة بالسوء. وقد أورد لنا ابن القطان نص هذه الرسالة، وسوف نعود إلى ذكرها.

وكان عبد المؤمن شديداً صارماً، في تطبيق أحكام الدين، ولاسيما في تأدية الصلاة في أوقاتها، وفي إيتاء الزكاة، وتحريم الخمر، وإقامة الحد على شاربها، وكان يذهب في صرامته إلى قتل تارك الصلاة أو شارب الخمر، وكان فوق ذلك ورعاً، كثير التلاوة والخشوع.

وكان متزمتاً صارماً في سياسته نحو النصارى واليهود. ونحن نعرف أن الدولة الموحدية قامت على أسس دينية خالصة، وكان من الطبيعي، وهي تحارب خصومها من المسلمين الخارجين على عقيدة التوحيد، أن تكون شديدة الوطأة على النصارى واليهود. ولما توطدت الدولة الموحدية بالمغرب، وبسطت سيادتها على معظم قواعد الأندلس، أصدر عبد المؤمن قراراً بوجوب خروج النصارى واليهود من أراضي الدولة الموحدية، وحدد لهم فيه أجلا لمغادرة البلاد، إلا من أسلم منهم، فهؤلاء يصبحون رعايا، لهم ما للمسلمين الخلص وعليهم ما عليهم، ومن بقي من النصارى أو اليهود بعد الأجل المضروب ولم يعتنق الإسلام، فقد حل دمه وماله. وكان من جراء هذا القرار أن غادر المغرب والأندلس كثير من النصارى واليهود المخفِّين أي الذين لا تثقلهم أعباء الأسرة والأعمال، وبقي منهم من ثقلت أعباؤه، وتظاهروا باعتناق الإسلام إنقاذاً لأنفسهم وأموالهم، ومما يذكر أنه كان بين هؤلاء العلامة الفيلسوف والطبيب اليهودي الكبير موسى بن ميمون، وكان من أهل قرطبة، فتظاهر عند صدور القرار باعتناق الإسلام، والقيام بأداء شعائره، حتى مكنته الفرصة من مغادرة الأندلس مع أهله، فقصد إلى مصر،

<<  <  ج: ص:  >  >>