للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخدم في بلاطها، وعين طبيباً خاصاً للسلطان صلاح الدين، وتوفي بالقاهرة سنة ٦٠٢ هـ (١٢٠٥ م) (١).

وكان عبد المؤمن بالرغم من نشأته وسمته الفقهية المتواضعة، رئيساً وافر الهيبة والجلال، وهو ما يشير إليه المراكشي في قوله: "كان عبد المؤمن في نفسه سري الهمة، نزيه النفس، شديد الملوكية، وكأنه كان ورثها كابراً عن كابر، لا يرضى إلا بمعالي الأمور " (٢).

* * *

ولكن عبد المؤمن كان إلى جانب هذه الخلال البديعة كلها، يتسم بالقسوة وسفك الدماء. وهذا ما ينوه به مؤرخ ناقد مثل ابن الأثير، إذ يقول لنا: إن عبد المؤمن كان كثير السفك لدماء المسلمين على الذنب الصغير (٣). وقد سبق أن أشرنا إلى هذه الصفة القاتمة من صفات عبد المؤمن، وسردنا خلال استعراضنا لمراحل حياته، كثيراً من الحوادث الدموية التي سالت فيها الدماء غزيرة على يديه، وقد كان أروع ما وقع منها حادثة الاعتراف الشهيرة، التي تم فيها تطهير القبائل، وفقاً لجرائد أعدها عبد المؤمن بنفسه، وتضمنت ألوفاً مؤلفة من الضحايا، التي أعدمت تنفيذاً لأوامره (سنة ٥٥٤ هـ). وقد سبق أن علقنا على هذه الحادثة وأمثالها، من الصفحات الدموية، التي توالت في عهد عبد المؤمن وعلى يديه. ونود أن نضيف هنا، أن هذه الظاهرة الدموية، كانت أصلا راسخاً من أصول الدعوة المهدية، وأن المهدي ابن تومرت، كان من أشد الدعاة دعوة إلى سفك دماء خصومه، وقد أبدى في تطبيقها قسوة تدنو إلى الوحشية. ومن وجهة أخرى فإنه يمكن القول بأن سفك الدماء وسيلة مأثورة من وسائل تدعيم الطغيان، يلجأ إليها الطغاة في كل عصر، وكل قطر، وقد كان عبد المؤمن طاغية من أعظم طغاة العصور الوسطى، فليس بمستغرب أن يكون القتل الذريع وسيلة لتأييد سلطانه المطلق، وإن يكن قد ذهب في ذلك إلى حدود مثيرة مروعة.

* * *


(١) القفطي في إخبار العلماء بأخبار الحكماء في ترجمة موسى بن ميمون (القاهرة ١٣٢٦ هـ) ص ٢٠٩.
(٢) راجع المعجب ص ١١٢.
(٣) ابن الأثير ج ١١ ص ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>