للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القضاء في القواعد الكبرى، فقد تركها المرابطون للأندلسيين، وذلك لسبب واضح، هو أنه لم يكن بين العلماء المرابطين، من يستطيع الاضطلاع بهذه المناصب، في بلد كالأندلس، امتاز قضاته بغزير علمهم، وقد كان أولئك القضاة الأندلسيون يتمتعون لدى العاهل المرابطي، بكثير من النفوذ، ولهم كلمة مسموعة في كثير من الشئون الهامة، وكانوا في نفس الوقت رسله لتدعيم هيبته ونفوذه، لدى الشعب الأندلسي، وكان من أبرز نماذج أولئك القضاة رجال مثل أبى الوليد بن رشد، وأبى القاسم بن حمدين، وقد تولى كلاهما قضاء قرطبة. وقد رأينا فيما تقدم، كيف أخذ بفتوى القاضي أبى القاسم ابن حمدين في حرق كتاب الإحياء للإمام الغزالي (سنة ٥٠٣ هـ)، وكيف استطاع القاضي ابن رشد، أن يقنع أمير المسلمين علي بن يوسف بتغريب النصارى المعاهدين (٥٢٠ هـ). ثم كان أولئك القضاة فيما بعد، حينما اضطربت شئون الدولة المرابطية، هم قادة الثورة ضد المرابطين في مختلف القواعد، وهم الذين تولوا حكم المدن الثائرة، حتى مقدم الموحدين.

ونود أن نلفت النظر هنا إلى تلك الظاهرة التي جعلت من قادة الثورة ضد المرابطين إما كتاباً وشعراء، أو قضاة. ففي الغرب كانت ثورة المريدين، وزعماؤها قبل كل شىء، رجال مثل ابن قسي، وابن المنذر، وأبو بكر بن المنخل، يمتازون إلى جانب دعوتهم الثورية، بمواهبهم الأدبية والشعرية. وفي أواسط الأندلس وفي شرقها، كان زعماء الثورة كلهم تقريباً من القضاة. ففي قرطبة، كان زعيم الثورة قاضيها أبو جعفر بن حمدين، وفي غرناطة كان هو القاضي أبو الحسن علي بن أضحى، وفي مالقة كان قاضيها ابن حسون، وفي بلنسية كان قاضيها مروان بن عبد العزيز، وفي مرسية كان قاضيها أبو جعفر الخشني، وكان خلفه في الرياسة بعد مصرعه، قطب بن أقطاب الكتاب والشعر، هو أبو جعفر عبد الرحمن ابن طاهر. وهذه ظاهرة تدعو إلى التأمل، ويمكن أن نرجعها من بعض الوجوه، إلى أن المرابطين استطاعوا خلال حكمهم بالأندلس، أن يقضوا على معظم الزعامات الملوكية والعسكرية القديمة، ولكنهم لم يستطيعوا أن يقضوا على الزعامات الفكرية، ولم يستطيعوا بالأخص، أن يقضوا على نفوذ الفقهاء بالأندلس، وكان نفوذهم المستمر، حسبما تقدم من خواص الحكم المرابطي ذاته.

أما عن الكتابة، فإن الدولة اللمتونية، كانت منذ بدايتها تعتمد في شئون

<<  <  ج: ص:  >  >>