للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتابة على الكتاب الأندلسيين. فكان كاتب يوسف بن تاشفين، حتى قبل أن يعبر إلى الأندلس، أندلسي من أهل ألمرية هو عبد الرحمن بن أسباط. ولما توفي خلفه في منصب الكتابة أبو بكر بن القصيرة، وهو يومئذ من أئمة البلاغة بالأندلس، ثم كتب بعد وفاة يوسف عن ولده علي. وكان بلاط مراكش في عهد علي بن يوسف، يضم إلى جانب ابن القصيرة، طائفة من أقدر الكتاب الأندلسيين في هذا العصر، مثل أبى القاسم بن الجد، وأبى بكر بن عبد العزيز البطليوسي المعروف بابن القبْطُرنة، وابن عبدون وزير بني الأفطس السابق، وأبى عبد الله بن أبى الخصال، وغيرهم. وقد كان من الطبيعي، أن تعتمد الدولة اللمتونية، التي نشأت في مهاد البداوة والتقشف، في شئون الكتابة، ولاسيما بعد افتتاح الأندلس، على أقطاب البلاغة من الكتاب الأندلسيين، وأن يكون أولئك الكتاب ألسنتها لدى الشعب الأندلسي، الذي اعتاد على أساليب الكتابة العالية، وقد شهد المرابطون كيف كان ملوك الطوائف، يحشدون في قصورهم، أئمة البلاغة والترسل يومئذ، سواء في سلك الوزارة أو الكتابة، فكانت لهم في ذلك أسوة، فاستخدموا معظم أولئك الكتاب في بلاط مراكش.

وكان الجيش هو أهم أجهزة الدولة المرابطية، ودعامتها الأولى، وكانت الدولة المرابطية بالرغم من انضوائها تحت لواء الدعوة الدينية الإصلاحية، التي نظمها عبد الله بن ياسين، قبل كل شىء دولة عسكرية، نشأت في مهاد المعارك التي اضطرمت بين لمتونة وبين القبائل الخصيمة من وثنية وغيرها، وخرجت منها لمتونة ظافرة، واستطاعت أن تبسط سلطانها على أنحاء المغرب، وأن تقيم الدولة المرابطية الكبرى، وكان أولئك البربر الصحريون جنوداً يمتازون بوافر الجرأة والشجاعة. وقد نوه بشجاعة لمتونة في القتال كاتب معاصر هو الجغرافي المؤرخ، أبو عبيد البكري، فوصف لنا لمتونة وشجاعتها وطرائقها في القتال فيما يأتي: " وكان للمتونة، في قتالهم شدة وبأس ليست لغيرهم. وكان قتالهم على النجب أكثر من الخيل، وكان معظم قتالهم مرتجلين، يقفون على أقدامهم صفاً بعد صف، يكون بأيدي الصف الأول منهم القنا الطوال، وما يليه من الصفوف بأيديهم المزاريق، يحمل الرجل الواحد منها عدة، يزرقها فلا يكاد يخطىء ولا يشوى، ورجل قدموه أمام الصف بيده الراية، فهم يقفون ما وقفت منصته، وإن أمالها إلى الأرض جلسوا جميعاً، فكانوا أثبت من الهضاب، ومن فر أمامهم لم

<<  <  ج: ص:  >  >>