للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتبعوه، وكانوا يختارون الموت على الانهزام، ولا يحفظ لهم فرار من زحف " (١)، وقد تطورت أساليب لمتونة في القتال فيما بعد، ولكن هذه الصفة العسكرية لبثت تغلب على الدولة المرابطية، حتى بعد أن استقرت وتوطدت، وقامت بها نظم الحكم المدنية، فكان الجيش هو قوام حياتها الأول، وكان أمير المسلمين هو القائد الأعلى لهذا الجيش، وكان معظم الولاة في المغرب والأندلس، من قادة الجيش البارزين. وكان منشىء الدولة المرابطية الكبرى يوسف بن تاشفين جندياً وقائداً من أعظم قواد عصره، وقد بذل هذا البطل الشيخ في تنظيم الجيش المرابطي، وفي تزويده بالعتاد والسلاح، جهوداً رائعة، حتى غدا من أعظم جيوش العصر. وكانت قوته الرئيسية تتألف من الفرسان، وقد بلغت في عهد يوسف نحو مائة ألف فارس "من مختلف القبائل (٢) هذا غير المشاة من الرماة وغيرهم. وأنشأ يوسف فضلا عن ذلك حرسه الخاص الأسود، من عبيد الصحراء من غانة، من نحو ألفي مقاتل، دربوا أعظم دربة، وزودوا بأجود الأسلحة، حتى غدوا قوة ضاربة لها خطرها (٣). وقد رأينا كيف أبلى هذا الحرس الأسود الخاص ليوسف، في معركة الزلاّقة عند تحرج الموقف، أعظم البلاء، وساعد ببسالته على تحول مصاير المعركة. وأنشأ يوسف قوة كبيرة خاصة من فرسان جزولة ولمطة وزناتة ْسميت بالحشم (٤). وأنشأ كذلك فرقة خاصة لحرسه من النصارى، معظمهم من المعاهدين الذين اعتنقوا الإسلام، وقد نمت هذه الفرقة في عهد ولده علي، حتى غدت جناحاً كبيراً من الجيش المرابطي، يتألف من النصارى المرتزقة، ويقوده القائد القشتالي الذي تسميه الرواية العربية " بالربرتير " والذي تحدثنا عنه فيما تقدم، وقد اشتركت هذه الفرقة الأجنبية التي تسميها الرواية العربية " بالجند الروم " مع الجيش المرابطي، في معارك عديدة، وكانت تمتاز دائماً ببسالتها، وفائق دربتها.

وكان ترتيب المعركة عند المرابطين يقوم على نظام خماسي. فيتقدم الجيش، الجند المشاة ووحدات الفرسان الخفيفة، وحملة القسي، والرماة، ويُرتبون في


(١) أبو عبيد البكري في كتاب " المغرب وذكر بلاد إفريقية والمغرب " المشتق من كتاب " المسالك والممالك " (طبعة دي سلان) ص ١٦٦، ونقل بعضه الحلل الموشية ص ١٠ و ١١.
(٢) روض القرطاس ص ٨٩.
(٣) الحلل الموشية ص ١٣.
(٤) الحلل الموشية ص ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>