للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا حلت الخمسمائة عام من الهجرة، ولم يظهر لهم النبي الرسول، الذي بشر به موسى في التوراة، وبأنه سوف يكون منهم، وان نبيهم يكون عندئذ هو نفسه نبي المسلمين، ويتحتم عليهم اعتناق الإسلام، وكان يهود الأندلس يجتمعون بالأخص في مدينة أليسّانة المتقدمة، وهي مدينة يهودية خالصة، بها ربض واحد يسكنه المسلمون، ولا يختلطون بأحد منهم، وأهلها أغنياء مياسير، ومن أغنى يهود العالم. وكان أمير المسلمين حين مر بتلك المدينة، يريد أن يرغم أهلها اليهود على اعتناق الإسلام وفقاً لما تقدم، ولكن فقيهاً آخر، أفتى بأنه يجوز تركهم على وجه الافتداء، فدفع اليهود مبالغ طائلة لأمير المسلمين ليحتفظوا بدينهم (١).

ثم تمادت هذه السياسة في عهد ولده علي، ولجأ عليّ في نفس الوقت إلى فرض القبالات والإتاوات، على مختلف الصنائع والسلع، فكانت القبالات تفرض على الصابون والعطور والنحاس والمغازل، كما تفرض على كل شىء يباع جل أو صغر، كل شىء على قدر قيمته (٢)، كما لجأ على إلى استخدام النصارى والروم في تحصيل الجبايات (٣). ولما اضطربت أحوال الدولة المرابطية، على أثر قيام حركة المهدي، اشتد نفود النصارى في الجيش، وفي شئون الجبايات، لما كان يحبوهم به علي بن يوسف من ثقة وحماية، وأساءوا معاملة المسلمين، واشتطوا في تحصيل المغارم والفروض، وغلبت الفوضى على شئون الدولة المالية، كما غلبت على غيرها.

- ٢ -

وقد اختلفت الآراء حول طبيعة الدولة المرابطية، وطبيعة وسائلها في الحكم، واشتد بعض المؤرخين في الحكم عليها، ورميها بأقصى النعوت والصفات، وجنح البعض بالعكس إلى امتداحها، وامتداح عهدها وحكمها.

وكانت تعليقات العلامة المستشرق دوزي، وحملته على المرابطين، والدولة المرابطية، من أشد ما صدر من الأحكام في هذا الموضوع. ومن الأسف أن هذه الحملة التي شهرها دوزي على المرابطين، وعلى عهدهم بالأندلس، قد تناقلها


(١) الحلل الموشية ص ٥٨. وراجع في وصف مدينة أليسانة " وصف المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس " المأخوذ من نزهة المشتاق للإدريسي (طبعة دوزي) ص ٢٠٥.
(٢) الإدريسي في المرجع السابق ص ٧٠.
(٣) الحلل الموشية ص ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>