للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معظم الكتاب والنقدة المحدثين، واعتبروها حكماً مبرماً، لا يقبل جدلا ولا نقصاً.

ومن ثم فإنه لابد لنا أن ننقل أولا ما تضمنته أقوال دوزي من وجوه الطعن والنقد، ثم نعود بعد ذلك إلى تحليلها ومناقشتها.

يقول دوزي بادىء ذي بدء: " إن الشعب (الأندلسي) لم يكن له أن يهنىء نفسه بالانقلاب الذي وقع (يعني تحول الأندلس إلى سلطان المرابطين). ذلك أن الحكومة والقادة والجند، جميعاً قد فسدوا بسرعة مذهلة.

إن قواد يوسف حينما قدموا إلى اسبانيا، كانوا حقاً أميين، ولكنهم كانوا أتقياء شجعاناً أمناء، وقد اعتادوا على حياة الصحراء البسيطة المتقشفة، فلما أغنتهم كنوز الأمراء الأندلسيين التي أغدقها عليهم يوسف، فقدوا فضائلهم بسرعة، ولم يعودوا يفكرون إلا في أن يتمتعوا في سلام بهذه الثروات التي غنموها.

ولقد كانت حضارة الأندلس بالنسبة لهم مشهداً جديداً، ولما كانوا يخجلون من بربريتهم، فقد أرادوا أن يندمجوا فيها، واتخذوا لهم مثلا من الأمراء الذين خلعوهم. بيد أنهم كانوا لسوء الحظ من ذوي الجلد الخشن، ولم يكن بوسعهم أن يتمشوا مع النعومة، والكياسة، والرقة الأندلسية، وكان كل شىء لديهم يحمل طابع التقليد الخانع القاصر ".

ثم يقول: " ولم يكن الجند (أعني المرابطين)، بالرغم من كونهم أكثر محافظة، أفضل من رؤسائهم، وقد كانوا يمتازون بالقحة نحو الأندلسيين، وبالجبن إزاء العدو. والواقع أن جبنهم كان فادحاً، حتى أن الأمير علي، اضطر أن يتغلب على بغضه للنصارى، وأن يحشد في جيشه أولئك الذين كان قائد أسطوله ابن ميمون يجىء بهم من شواطىء جليقية، وقطلونية وإيطاليا، وبلاد بيزنطية. وأما عن قحتهم، فإنه لم يكن لها حد. فقد كانوا يعاملون الأندلس كبلد مفتوح، ويأخذون منها كل ما راق لهم، من نقد ومال ونساء، وكانت الحكومة تتركهم يفعلون ذلك، ولا تستطيع ضدهم شيئاً. وكان ضعفها في ذلك يدعو إلى الرثاء. وقد اضطر الفقهاء إلى ترك السلطان للنساء، أو على الأقل إلى أن يشاطروهن هذا السلطان. وكان الأمير على يترك لزوجته قمر كل شىء، وثمة نسوة أخريات كن يحكمن وفقاً لأهوائهن كبار الأعيان، وما دام في وسعهم أن يحققوا جشعهن، ففي وسعهم أن يفعلوا ما شاءوا. بل لقد كان في وسع قطاع

<<  <  ج: ص:  >  >>