مع ذلك قد لمعوا في ميدان الشعر، وكانت لهم فيه آثار طيبة. ونود الآن أن نذكر بعض الشعراء الذين نبغوا في العصر المرابطي، وكان الشعر خاصتهم الأولى.
فمن هؤلاء أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد، من بني سعيد العنسي سادة قلعة بني يحصب من أعمال غرناطة، وهو بيت من بيوتات الأندلس المشهورة، وينتمي إليه قواد ووزراء وقضاة وكتاب وشعراء، ومنهم مؤلفو كتاب " المغرب في حلى المغرب ". وشغف أبو جعفر بالأدب والشعر منذ حداثته " وحفظ الكثير من أشعار القدماء، وظهرت مواهبه الشعرية لأول مرة حينما وفد مع أبيه وأهله لمقابلة الخليفة عبد المؤمن، وهو بجبل طارق في سنة ٥٥٦ هـ، وألقى بين يديه قصيدته التي مطلعها:
تكلم فقد أصغى إليك الدهر ... وما لسواك اليوم نهي ولا أمر
وقد كانت هذه القصيدة التي نقلناها فيما تقدم، فاتحة مجده الشعري. ولما ولي غرناطة السيد أبو سعيد ولد عبد المؤمن، استوزر أبا جعفر، وحظى لديه.
ثم فسد ما بينهما بسبب تنافسهما في حب الشاعرة الحسناء حفصة بنت الحاج الرَّكوني، وأخذ السيد أبو سعيد يترقب الفرص لنكبته، وأبو جعفر يتحفظ كل التحفظ، وفي حالته تلك يقول:
من يشتري مني الحياة وطيبها ... ووزارتي وتأدبي وتهذبي
بمحل راع في ذرى ملمومة ... زويت عن الدنيا بأقصى مرتب
فلقد سئمت من الحياة مع امرىء ... متغضب متغلب مترتب
الموت يلحظني إذا لاحظته ... ويقوم في فكري أوان تجنبي
وانتهى الأمر بأبى جعفر إلى أن ائتمر مع أخيه وبعض أقاربه على الانضمام إلى ابن مردنيش، ولحق أخوه وأقاربه بقلعتهم في بني يحصب. ولكنه جبن وتأخر، ثم فر إلى مالقة، ليركب منها البحر إلى بلنسية، ولكن عمال السيد اكتشفوا أمره وقبضوا عليه، فأمر بقتله صبراً، وكان مصرعه في جمادى الأولى سنة ٥٥٩ هـ (١١٦٤ م).
ولأبى جعفر كثير من الشعر الرقيق الجيد. فمن ذلك قوله:
أتاني كتاب منك يحسده الدهر ... أما حبره ليل، أما طرسه فجر
به جمع الله الأماني لناظري ... وسمعي وفكري فهو سحر ولا سحر