للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغيضة لم تحظ خلال حياتها، بشىء من الولاء الحقيقي، أو العطف الصادق أو التوقير والاحترام.

لبثت أورّاكا مدى عشرين عاماً ملكة قشتالة، وخلفت على العرش أباها العظيم ألفونسو السادس، فكان التباين في الوسائل والخلال من أبشع ما يمكن تصوره، وتحول الحكم القوي الحازم، إلى معترك من الشهوات والأهواء الخطرة.

وبدلا من أن يغدو زواجها بألفونسو المحارب دعامة لتوطيد العرش، وتسيير دفة الحكم، أضحى مصدراً خطراً للتنافس والشقاق المستمر، وعاملا في ضعف المملكة، واستنزاف مواردها التي كانت تدخرها لغزو الأندلس، وتخريب ربوعها في حروب أهلية منهكة. وكان وجود امرأة على رأس الحكم في مملكة قشتالة العريقة، في ذاته مظهراً جديداً لم يألفه الشعب القشتالي، الذي اعتاد أن يرى حكامه من الملوك الأقوياء، وأذكى من وقع هذا المظهر في نفوس الأشراف ونفوس الشعب، مسلك أوراكا المشين كملكة وامرأة معاً، لا تحرص على صون هيبة الملك، ولا كرامة المرأة المصون.

ومع ذلك فإن المؤرخين الإسبان يختلفون في الحكم على أوراكا، وعلى حقيقة تبعاتها التاريخية. ففريق يحكم عليها، ويدمغها بأقسى النعوت. ومن هؤلاء الأسقف ساندوفال. إذ يحمل عليها في تاريخه (١) بشدة، ويقول: " يجب علينا أن نسقط مثل هذه العصور من سلسلة تاريخنا القومي ". ويضع لوقا التويي، وأسقف طليطلة، وماريانا، مسئولية سائر المحن والخلافات التي حدثت على رأس ملكة قشتالة، ويصفونها بأنها " امرأة متهورة وشجاعة " ويتحدثون عن " خدعاتها المشينة المشبعة بالخيانة ". هذا بينما يرفض الأب فلورس (٢) وغيره، كل ما نسب إلى أوراكا من " أعمال الطيش التي نسبت إليها " ويرجعون المسئولية في كل ما حدث من الشقاق والاضطرابات إلى الملك ألفونسو المحارب، وينسبون إليه أخبث النيات، وأشنع الأعمال اللادينية، ويصفونه بأنه زوج همجي ومسىء لزوجته، ومضطهد ومستبد للأساقفة ورجال الدين، وملوث ومخرب للمعابد، وناهب للأموال والآنية المقدسة، وبأنه لم يتورع عن محاولة اغتيال الأمير الصبي (٣).


(١) Sandoval: Historia de los Reyes de Castilla y de Leon
(٢) في تاريخه Florez: Historia de la Reinas Catolicas
(٣) M. Lafuente: Historia General de Espana, T. III, p. ٢١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>