للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعظمهم صبراً، وكان ينام على طارقته بغير وطاء " (١). وأما عن خلال ألفونسو الشخصية، فتختلف الرواية النصرانية، فنراه يوصف في التواريخ الأرجونية بالإيمان والتقوى، والفروسية، ورعاية الكنائس والأحبار، ولكن التواريخ القشتالية تصفه بالعكس بالجبروت والغدر والإلحاد، وشغف العدوان على حرمة الكنائس والأديار، وعلى محتوياتها المقدسة، وأنه في- حروبه مع النصارى لم يكن يفر الأحبار ولا النساء من عدوانه. ولم يكن يكبح جماح جنده عن ارتكاب مختلف ضروب الإثم والمنكر (٢).

وكان ألفونسو المحارب، قبيل وفاته بثلاثة أعوام قد كتب وصيته حول مصير مملكته، وكانت أغرب وصية يمكن تصورها. ذلك أنه أوصى فيها بأن تقسم مملكته الكبيرة إلى ثلاثة أقسام، الأول يخصص لسلام روح والده ووالدته، وللتكفير عن زلاته، ولكي يظفر بمكان في جنة الله، وللقبر المقدس وسدنته وخدمه، والثاني يخصص للفقراء وفرسان الأسبتارية ببيت المقدس. والثالث يخصص لفرسان المعبد (الداوية) باعتبارهم حماة النصرانية في معبد المسيح (٣).

وقد ظهر فرسان الداوية قبل ذلك بأعوام قلائل في إمارة برشلونة، وكان أميرها رامون برنجير الثالث، أول من شجعهم على القيام في إمارته، وحاول ألفونسو المحارب قبل وفاته بقليل أن ينشىء جمعية فرسان دينية على غرار جماعة بيت المقدس، فلم ينجح لمعارضة الأشراف، ولكنه لبث يحتضن مشروعه حتى توفي حسبما بدا ذلك في وصيته.


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ٢٣.
(٢) تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين لأشباخ. (الترجمة العربية، الطبعة الثانية ص ١٦٦ و ١٦٧).
(٣) كان فرسان المعبد Templares، وفرسان الأسبتارية Hospitallers من أشهر جماعات الفرسان الدينية التي قامت في العصور الوسطى في بداية الحروب الصليبية. والجماعة الأولى هي التي تعرف في الرواية الإسلامية بجماعة " الداوية " وقد أنشئت سنة ١١١٩ م في بيت المقدس عقب سقوطها في يد الفرنج الصليبيين وذلك لحماية الحاج إلى قبر المسيح، وأفرد لهم ملك بيت المقدس جناحاً في قصره، ثم سلم إليهم المعبد المجاور له، ومنه اشتقوا اسمهم " فرسان المعبد ". ونمت هذه الجماعة بسرعة، واشتد ساعدها بمن انضم إليها من النصارى من سائر الأمم، ولعبت دوراً هاماً في حوادث الحروب الصليبية، واستمرت قائمة عصوراً. والأسبتارية هم أيضاً جماعة دينية من الفرسان، أنشئت عقب الجماعة الأولى، وخاضت أيضاً حوادث الحروب الصليبية، ولكنها كانت أضعف شأناً من جماعة " الداوية ".

<<  <  ج: ص:  >  >>