والخلاف القائم بين المسلمين في شبه الجزيرة، وضرورة حماية هيبة الإمبراطورية ومكانتها إزاء البابوية والعالم الخارجي، كل ذلك كان يخلق اندفاعاً قوياً ومستمراً، يضع الإسلام في شبه الجزيرة في موقف من أدق مواقفه. وقد أكد ألفونسو السابع نيته في متابعة هذه الحرب المستمرة على الإسلام، عقب التتويج الإمبراطوري مباشرة، في إخطاره لأهل مملكته ولسكان الحدود، بأن يشهروا الحرب على المسلمين في كل سنة، وأن يزعجوهم بلا هوادة، وألا يفروا من بلادهم أو حصونهم، وأن ينتزعوا منهم كل شىء في سبيل الله، ومن أجل الدين المسيحي " (١).
وتشيد الرواية النصرانية بخلال ألفونسو ريمونديس، وتقول لنا إنه من القلائل من ملوك اسبانيا النصرانية، الذين يستحقون صفة القيصر بجدارة، وتشيد كذلك بفروسته وشجاعته وعدله وتقواه، ورعايته للكنائس والأديار.
بيد أنه ليس من ريب في أن ألفونسو ريمونديس كان ملكاً جشعاً، وافر الأطماع، وكان لا يفرق في تحقيق أطماعه بين الوسائل المشروعة، وغير المشروعة، وقد رأينا موقفه من مملكة نافارا الصغيرة الشجاعة الأبية، وكيف أن وشائج القرب والمصاهرة لم تمنعه من الائتمار باستقلالها غير مرة. أما سياسة ألفونسو ريمونديس نحو الأندلس المسلمة، وهي السياسة التي صورها لنا النقد الإسباني فيما تقدم، فلم تكن تختلف في شىء عن سياسة أسلافه: سياسة التربص والغدر والعدوان المستمر، وسياسة الضرب والتفريق بين المتوثبين والمتخاذلين من زعمائها، وانتهاز الفرص للإيقاع بها، وانتزاع أراضيها بكل الوسائل. والواقع أن الجيوش القشتالية أيام ألفونسو ريمونديس لم تترك للمسلمين في شبه الجزيرة أية هدنة.
ففي سنة ١١٣٣ م، قام ألفونسو بغزوته الكبرى خلال الأندلس، ووصل في زحفه إلى شريش وأرض الفرنتيرة، ولم تستطع الجيوش المرابطية أن تقف في سبيله. وهو مذ تقلد التاج الإمبراطوري في سنة ١١٣٥، دائب الغزو لأراضي الأندلس، فإذا لم تكن ثمة غزوة كبيرة، فقد كانت ثمة غارات مخربة على الحدود. وفي سنة ١١٣٩ افتتح حصن أوريخا (أرنبة). وفي سنة ١١٤٢ م، افتتح قورية. وفي سنة ١١٤٦، دخل قرطبة استجابة لدعوة ابن حمدين،
(١) وردت هذه الملاحظات، ضمن تصوير لعهد ألفونسو السابع، قدم به الأستاذ العميد S. Montero Diaz لمحاضرته La Orden de Calatrava y su perspectiva universal المنشورة في كتاب: La Orden de Calatrava (Ciudad Real ١٩٥٩) p. ٨